للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

[التربية عامل من عوامل العفة]

العامل الثالث: التربية.

والتربية أمرها عظيم؛ فإن الإيمان النظري الذي نحفظه نصوصاً أو نقرأه علماً، وإن التشريعات التي نعرفها فقهاً ونتقنها تفريعاً لا تغني عنا شيئاً إذا لم تحصل التربية عليها والالتزام بها، وهناك -أيضاً- جوانب متعددة متعلقة بالتربية، منها: الجانب الأول: المجاهدة والتعبد.

فلابد -لَنحَصِّل العفة- من أن نحرص على عمق وقوة وحسن ودوام الصلة بالله عز وجل، وأن نكثر التلاوة والذكر والدعاء، وأن نكثر الصلاة والمناجاة والتبتل والتضرع، وأن نكثر الصوم؛ فإنه عبادة من العبادات التي تتطهر بها النفس، ويتزكى بها القلب، وتنحصر وتضيق فيها مجاري الشيطان، فإن النبي صلى الله عليه وسلم قال: (يا معشر الشباب! من استطاع منكم الباءة فليتزوج، ومن لم يستطع فعليه بالصوم؛ فإنه له وجاء)، وهذا نوع من العلاج والتربية، وقال: (إن الشيطان يجري من ابن آدم مجرى الدم في العروق، فضيقوا مجاريه بالصوم) فهذه التربية العملية العبادية من أهم الجوانب التربوية.

الجانب الثاني: التنشئة والتعود.

وهذا يتعلق بالصغار، ونلمحه باختلاف البيئات، فهناك بيئة لا تراعي التربية الإسلامية، فالفتاة التي في سن العاشرة عندهم صغيرة السن، وقد تكون في الثانية عشرة وهي ما زالت طفلة، وتبلغ الرابعة عشرة وما زالت دون السن الذي يعتقدون أنها تكون فيه في مبلغ البنات أو البالغات، وكذلك الطفل يظل طفلاً ويدخل على النساء من المحارم وغير المحارم وهو في العاشرة، ثم في الثانية عشرة ثم في الخامسة عشرة، وهذا التسيب تلحظه عند من لا يحسن ولا يلتزم التربية الإسلامية، بينما تجد في البيئة الإسلامية أن الفتاة الصغيرة التي في الخامسة من عمرها ترى أمها وترى بيئتها تتحجب وتلتزم فتطلب الصغيرة الحجاب قبل وقتها، وتشعر وتعرف وتدرك بالفطرة التربوية على العادة أن فرض الحجاب أمر طبيعي، فهي تنظر إلى المرأة غير المحجبة على أنها تفعل فعلاً قبيحاً، وعلى أنها ليست كأهلها، وليست كأمها أو أختها أو خالتها، فهذا الشعور لا يعرفه الصغير على أنه حلال أو حرام، ولا يعرفه بدليل من كتاب وسنة، وإنما يعرفه بالتنشئة والتعود، كما قال الشاعر: وينشأ ناشئ الفتيان فينا على ما كان عوده أبوه أما من لم ينشأ على هذه التنشئة ثم بعد ذلك نأتي إليه فنقول: هذه آيات القرآن وهذه أحاديث.

فكيف وقد عاش هذه البيئة؟! وكيف وقد مارس هذه الممارسة؟! فهذا -أيضاً- أمر مهم.

الجانب الثالث: المعرفة والتعلم.

ينبغي أن نعلم الشباب في أول مراحل العمر، وفي أول تفتح الذهن هذه المعاني المتعلقة بالأجر والثواب، كقوله صلى الله عليه وسلم: (سبعة يظلهم الله في ظل عرشه يوم لا ظل إلا ظله -وذكر منهم-: وشاب دعته امرأة ذات منصب وجمال فقال: إني أخاف الله)، وقال صلى الله عليه وسلم: (ثلاثة حق على الله أن يعينهم -وذكر منهم-: والمتعفف يريد النكاح)، كما ورد الحديث عند النسائي في سننه.

فإذاً نعلّم ونعرّف الشباب بهذه المعاني وبأجرها عند الله، ونعلّمهم ونعرفهم بما يضاد هذه، حتى يكون هناك تلخيص صحيح.

الجانب الرابع: التفكر والتطلع، فالقضية التربوية دائماً تعتمد على إحلال الخير محل الشر، وأن الفراغ في حد ذاته ضرب من الشر؛ لأن النفس إن لم تشغلها بالطاعة شغلتك بالمعصية، فينبغي أن نعود الشباب في أول أعمارهم على أن تكون أفكارهم وتطلعاتهم وطموحاتهم ترقى إلى رقي تام، وإلى الآفاق الواسعة، لا كما يشيع اليوم في صفوف الشباب من أثر هذه الهجمات التي أشرت إليها، فإذا كل فكره هو في الفتاة التي يحبها، والهندام الذي يتزين به، أو العطر الذي يتعطر به، أو التسريحة التي يسرح بها شعره، وعلى ذلك قس في جانب الفتاة ما هو أعظم وأدهى، فهناك ألوان للعيون زرقاء وخضراء، وألوان للصبغات في الشعر من شقراء وغير ذلك، وكل هذا أصبح هو الذي يملأ الفكر ويشغله، فأين رسالة الإسلام؟ وأين التفكير في العلم؟ وأين قوة البدن ورياضة الجسم؟ وأين الارتباط بمآسي المسلمين والتفكر في أحوالهم؟ لو شُغل الشباب والفتيات وعودوا على هذه المعاني وكان هناك ما يسمى بنظرية التفاني التربوية التي يسمو فيها الإنسان عن الشهوات الطبيعية الفطرية التي إذا أتيح لها الفرصة تمكنت من الإنسان لكانت النتائج إيجابية، وإذا شغل الإنسان نفسه بغيرها لم تتحكم فيه.

وأضرب لذلك مثالاً: هذه الشهوات مع الإنسان في كل وقت، لكنها في وقت تقع وتظهر وتبرز، فالطلاب أو الشباب في سن الطلب من الفتيان والفتيات يشغل بالهم شيء من أثر هذه المؤثرات، لكن إذا جاء وقت الاختبارات يحصل عندهم عمل مهم، فيحصل عندهم جهد يبذلونه في هذا العمل وتفكيرٌ ينشغلون به، واهتمام قلبي ونفسي يتوجهون به إلى هذه الاختبارات، وفي ذلك الوقت وفي هذه الفترة تجد أنهم يدعون مثل تلك الأمور جانباً وراء ظهورهم.

إذاً فالأمر كذلك في كل وقت لو أننا استطعنا هذا، وعلى الشاب وعلينا أن نفقه هذه المعاني.

الجانب الخامس: القوة والانتصار.

القوة والانتصار يحصلان بقوة الإرادة التي تحمل الإنسان على الدواعي التي تدعوه، فيكون حينئذٍ أسيراً أو عبداً لشهواته، فمثلاً: بعض الناس من أصحاب النهم في الطعام إذا أردت أن تعذبه فامنع عنه الطعام أو قلل كميته، وإذا أردت أن تأخذ منه أي شيء فامنع عنه الطعام أو قلل الكمية ثم اطلب ما تشاء فسوف يتنازل؛ لأن فكره الأول والأخير هو في هذا، فإذا منع منه يمكن أن يعطي من ماله، ويمكن أن يتنازل، المهم أن ينال طلبه.

وكذلك في جانب شهوة الجنس، فمن كانت هي أوفر همه وأعظم شغله فإنه قد يبيع أخلاقه، ويبيع دينه، ويضيع ماله، ويسيء إلى سمعته، ويسيء إلى أهله؛ لأنه جعل نفسه أسيراً لهذه الشهوة، فمتى يكون قوياً؟! فليس القوي هو الذي يتبع شهوته، بل القوي هو الذي يملكها، كما قال عليه الصلاة والسلام: (ليس الشديد بالصرعة، ولكن الشديد من يملك نفسه عند الغضب).

فهذا مقياس تربوي مهم لابد من أن ننتبه له، وأن نربط -أيضاً- أنفسنا بوعد الله عز وجل: {وَالَّذِينَ جَاهَدُوا فِينَا لَنَهْدِيَنَّهُمْ سُبُلَنَا} [العنكبوت:٦٩].