للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

[أهمية الاعتناء بموضوع القرآن الكريم]

بسم الله الرحمن الرحيم.

الحمد لله، والصلاة والسلام على رسول الله، وعلى آله وصحبه ومن والاه، وعلى من اتبع سنته واقتفى أثره وسار على هداه.

وبعد: فهذا درس عنوانه (القرآن والحياة)، حديثنا فيه عن القرآن الكريم المنزل في شهر رمضان، قال تعالى: {شَهْرُ رَمَضَانَ الَّذِي أُنزِلَ فِيهِ الْقُرْآنُ هُدًى لِلنَّاسِ وَبَيِّنَاتٍ مِنَ الْهُدَى وَالْفُرْقَانِ} [البقرة:١٨٥].

وذلك لبيان صلة القرآن بالحياة في حال رسول الله صلى الله عليه وسلم وفي حياة أصحابه وحياة الأمة الإسلامية، سيما في القرون الأولى الفاضلة، وما آلت إليه الأحوال في آخر هذه الأزمان من انفصام بين الحياة وبين تسييرها بكتاب الله عز وجل.

ولذلك فإن لهذا الموضوع أهمية كبرى فيما يتعلق بتقويم الإنسان بحياته ومعرفة موقفه من كتاب ربه ومن نهج المصطفى صلى الله عليه وسلم، وحتى ننتفع في إيجاز نبدأ بأول عنوان في هذا الموضوع، وذكر بعض ما يتعلق بالقرآن في أول نزوله.

نزل القرآن على رسولنا صلى الله عليه وسلم، وفي هذا النزول وفي تلك الطريقة وفيما لابسها وشاكلها وصاحبها دروس وعبر وفوائد تنبهنا على طبيعة هذا القرآن وصلته بالمسلم وتسييره لهذه الحياة.

أخرج البخاري وصفاً لأول مرة نزل فيها جبريل عليه السلام على المصطفى صلى الله عليه وسلم بالقرآن العظيم عن النبي عليه الصلاة والسلام في هذا السياق عندما نزل عليه جبريل: (قال له: اقرأ.

قال: ما أنا بقارئ.

قال: فأخذني فغطني حتى بلغ مني الجهد، ثم أرسلني فقال: اقرأ؟ قلت: ما أنا بقارئ - أي: لا أعرف القراءة، وليس نفياً أو اعتراضاً- قال: فأخذني فغطني حتى بلغ مني الجهد، ثم أرسلني فقال: أقرأ؟ قلت: ما أنا بقارئ.

فأخذني فغطني الثالثة ثم أرسلني فقال: أقرأ؟ قلت: ما أنا بقارئ.

قال: {اقْرَأْ بِاسْمِ رَبِّكَ الَّذِي خَلَقَ * خَلَقَ الإِنسَانَ مِنْ عَلَقٍ * اقْرَأْ وَرَبُّكَ الأَكْرَمُ * الَّذِي عَلَّمَ بِالْقَلَمِ * عَلَّمَ الإِنسَانَ مَا لَمْ يَعْلَمْ} [العلق:١ - ٥]).

أيها الأخ الكريم! الذي يتبادر إلى الذهن أن أول نزول لهذا القرآن يكون نزولاً لطيفاً هيناً حتى يكون البدء بما هو أسهل، ثم يأتي ما هو أشق منه، ولكننا نرى هذا النزول الأول على المصطفى صلى الله عليه وسلم فيه هذه الصورة من الشدة ومن التكرار ومن القوة ومن مفاجأة النبي عليه الصلاة والسلام.

وكل ذلك تدليل على أن هذا القرآن ونزوله ليس بالأمر الهين ولا بالشيء العارض، وليس هو أمراً أو كلاماً يُتلى أو تُحسن به الأصوات أو يُتخذ للبركة، بل نزل في هذه الشدة ليعلم النبي صلى الله عليه وسلم أنه يتلقى وحي الله، وأنه يحمل رسالة الله، وأنه يتلقى أمانة الله عز وجل ليدرك منذ الوهلة الأولى أنه أمام مهمة عظمى وأمام رسالة كبرى.

وذلك حتى يتهيأ المصطفى عليه الصلاة والسلام؛ لأن الله جل وعلا خاطبه بقوله: {إِنَّا سَنُلْقِي عَلَيْكَ قَوْلًا ثَقِيلًا} [المزمل:٥]، فليس الأمر بالأمر الهين ولا بالسهل، إنما هو الأمر الذي قضاه الله عز وجل والنهج الذي أراده وارتضاه للأمة المسلمة وللبشرية جمعاء إلى أن يرث الأرض ومن عليها.

فالكتاب الذي ما ترك فيه الله عز وجل شاردة ولا واردة إلا جاء بها وكان فيها ذكر هو كتاب الله عز وجل القرآن، ولذلك كان هذا النزول في حد ذاته دليلاً وتنبيهاً للمسلمين على أن تلقي هذا القرآن وأن نزوله إلى هذه الدنيا وأن تحمل المصطفى صلى الله عليه وسلم له إنما كان تحمل رسالة ودعوة ومنهج وأمانة حتى يدركوا أنه ليس كما يتصور كثير من الناس أو يتعامل كثير منهم مع كتاب الله عز وجل.