للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

[وجوب الصبر في تحمل الدين]

إنه أمر العمل، وقبله أمر الفهم والعلم، ومعه أمر الاستقامة والمواظبة، ويحدو ذلك كله الصبر والمصابرة والمجاهدة، قال عز وجل: {يَا أَيُّهَا الْمُدَّثِّرُ * قُمْ فَأَنذِرْ * وَرَبَّكَ فَكَبِّرْ * وَثِيَابَكَ فَطَهِّرْ * وَالرُّجْزَ فَاهْجُرْ * وَلا تَمْنُنْ تَسْتَكْثِرُ * وَلِرَبِّكَ فَاصْبِرْ} [المدثر:١ - ٧].

فلنصبر في حمل دين الله، ولنثبت في المواقف الممحصة، أما أن نختار الذي هو أدنى ونرضى بالركون إلى الأرض والخلود إلى الدنيا فهذا لا ينبغي، قال جل وعلا: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا مَا لَكُمْ إِذَا قِيلَ لَكُمُ انفِرُوا فِي سَبِيلِ اللَّهِ اثَّاقَلْتُمْ إِلَى الأَرْضِ أَرَضِيتُمْ بِالْحَيَاةِ الدُّنْيَا مِنَ الآخِرَةِ فَمَا مَتَاعُ الْحَيَاةِ الدُّنْيَا فِي الآخِرَةِ إِلَّا قَلِيلٌ} [التوبة:٣٨] فما الذي ترضاه لنفسك؟ وأين أنت من نبيك صلى الله عليه وسلم وأشراف أمتك من علمائها وقوادها وأخيارها ودعاتها وصلحائها؟ فهل نريد أن نكون مع العابثين المغنين الراقصين؟! وهل نريد أن نكون مع اللاعبين المحترفين والمحترقين؟! وهل نريد أن نكون مع السادرين الغافلين النائمين؟! إن أمتنا تذبح كل يوم ألف مرة، وأعراضها تنتهك في كل قطر، وأحوالها تدعو إلى أن تتحرك القلوب وأن تحيا النفوس وأن تستيقظ العقول وأن تتحرك الهمم وأن ترتفع وتشحذ العزائم، فأين أنت من ذلك؟ تأمل أخي المسلم حالنا لو أننا أخذنا ديننا بقوة، ولو أننا حملنا أمانتنا بعزم، ولو أننا تأسينا برسول الله صلى الله عليه وسلم.

ألا نعرف ما كان يقوله، بل ما كان يفعله، بل ما تجلى في مواقف سيرته يوم خرج مهاجراً طريداً من مكة، ويوم كسرت رباعيته وسال الدم على وجهه الشريف وهو يقول: (اللهم! اغفر لقومي فإنهم لا يعلمون) ويوم ربط حجرين على بطنه من شدة الجوع في يوم الأحزاب؟! أما رأينا كيف مر رسول الله صلى الله عليه وسلم بالشدائد المعنوية والحسية؟ أما رأينا قوة يقينه وعظمة إيمانه وشدة ثباته وزهده في دنياه وتعلقه بأخراه؟! أما رأينا كيف حمل الصحابة من بعده الأمانة، وكيف استشعروا ثقل المسئولية؟! أما سمعنا في سيرة أبي بكر رضي الله عنه قوله: (كيف ينتقص هذا الدين وأنا حي؟! والله لو منعوني عقال بعير كان يؤدونه إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم لقاتلهم ولو كنت وحدي)؟ أما عرفنا ما كان يقول عمر رضي الله عنه في آخر لحظات حياته: (ليتني أموت كفافاً لا لي ولا علي)؟! فما الذي صنعت يا عمر؟! ألم تكن تهتم وتغتم إذا عثرت بغلة في العراق خشية أن يسألك الله عنها؟! فمن هو المسئول أمام الله عز وجل عن المئات التي تقتل اليوم في العراق؟! ألسنا مسئولين بكثرة أو بقلة؟ ألسنا معنيين بالأمر مباشرة؟! ومع ذلك عمر رضي الله عنه يقول: (ليتني أموت كفافاً لا لي ولا علي).

أما سمعنا من التابعين من يقول: (ليتني كنت شجرة تعضد)؟ لأنهم عرفوا ثقل الأمانة وعظمة المسئولية، أما عرفنا ابن تيمية -رحمه الله- وهو الذي فعل ما فعل يوم يقول: ما أنا شيء، ولا مني شيء، ولا بي شيء، وما زلت أجدد إيماني وإسلامي كل يوم! هؤلاء هم الذين قاموا بشرف حمل الرسالة والأمانة، ثم استقلوا أعمالهم ولم يروا أنهم أدوا واجبهم, واليوم تخلى كثير منا عن الأمانة وترك أداء الواجب ثم كلامنا يملأ الدنيا صراخاً وادعاءً وكذباً وزوراً وبهتاناً، نسأل الله عز وجل السلامة.