للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

[جهازها وأثاث بيتها رضي الله عنها]

أما جهازها فقالت أم أيمن: وليت جهازها، فكان فيما جهزتها به مرفقة من أدم -من جلد- حشوها ليف، وبطحاء مفروشة في بيتها.

هذا هو الفراش الوثير الذي كان في بيت فاطمة رضي الله عنها.

وقد وردت روايات كثيرة في هذا المعنى، وقد جاءوا بهذا التراب والحصى ليفرش في هذا البيت كأنما هو توطئة، والنبي صلى الله عليه وسلم بعث مع فاطمة بخميلة ووسادة أدم حشوها ليف ورحائين وسقاء وجرتين، فكم هي هذه الثروة عظيمة؟ وكم هي موجودة في هذا البيت الذي كأنما هو قصر عامر؟ وهو كذلك عامر بالإيمان والتقوى، وما كان حشو فراشهما ووسائدهما إلا الليف، بل قد ورد في صداقها أنه كان لهم جلد لخروف، إذا ناموا جعلوه على جهة الصوف، وإذا احتاجوه لفوه من جهة الجلد، وهذا يدلنا على البساطة.

ورواية أم أيمن المذكورة رواها الطبراني وإسناده رجال الصحيح.

لننظر إلى هذه المعاني، فمن كانت هذه مقدمتها في خطبتها وفي مهرها وفي جهازها فأي شيء تكون عيشتها؟ وعلى أي صورة تكون حياتها؟ هل فيها مثلما عند نسائنا حيث لابد أن يكون المسكن فيه كذا من الغرف، ولابد أن يكون فيه غرفة للنوم، وأخرى للطعام، وثالثة للجلوس، ورابعة لكذا وكذا، وخامسة لكذا؟ وكأنما يريد أن يسكن في جنة قبل جنة الآخرة، ولا نقول هذا -ونحن نعرف أوضاع الحياة الاجتماعية- تحريماً له، لكن إذا وجد ما يقتضي التنازل عنه مما هو خير في جمع بين زوجين صالحين فالعاقل من يصنع ذلك، ويتأسى بخير خلق الله عليه الصلاة والسلام، ولتكن ابنته في شرفها وفخرها أنها كان لها أثر من فاطمة أو غير فاطمة من بنات رسول الله صلى الله عليه وسلم.

فأين كان سكنها وكيف عاشت؟ في رواية ابن سعد في الطبقات عن أبي جعفر لما قدم رسول الله صلى الله عليه وسلم المدينة نزل منزلاً، فطلب علي منزلاً حتى يسكن فاطمة فيه، فأصابه مستأخراً عن النبي صلى الله عليه وسلم بعيداً عنه، والنبي لم يكن يحب بعد فاطمة عنه أبداً، فجاء النبي عليه الصلاة والسلام إلى بيت فاطمة فقال: (إني أريد أن أحولك إلي تكونين قريبة مني.

فقالت: كلم حارثة بن النعمان أن يتحول) وكان بيته قريباً من النبي صلى الله عليه وسلم، فأرادت أن يتحول لتأتي مكانه، فقال عليه الصلاة والسلام: (قد كلمت حارثة وقد تحول عنا حتى استحييت منه) يعني: أكثر من واحد يريد الجوار وهذا ينتقل.

فسمع حارثة رضي الله عنه فقال: يا رسول الله! إنه بلغني أنك تحول فاطمة إليك، وهذه منازلي وهي ألصق بيوت بني النجار بك -أي: أقربها- وإنما أنا ومالي لله ولرسوله، والله -يا رسول الله- للمال الذي تأخذ أحب إلي من الذي تدع، هكذا كان أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم، فتحولت إلى جوار أبيها عليه الصلاة والسلام.