للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

[الخوف والخشية]

ووجه آخر -أيضاً- ينسكب في قلوبنا من أثر هذه العبادة الجليلة، هو الخوف والخشية، خوف الله وخشيته؛ لأننا مع الطاعة والعبادة نتذكر ما سلف من التفريط والتقصير، نتذكر كلما دعونا الله في صلواتنا وفي سجودنا تلك الذنوب والآثام، نخشى من آثارها وأضرارها، نخشى من عدم غفرانها ومحوها، فما تزال قلوبنا متقلبة بين هذا وذاك، روى الترمذي من حديث أنس رضي الله عنه (أن النبي صلى الله عليه وسلم دخل على شاب وهو في الموت -أي: في مرض الموت-، فقال له النبي صلى الله عليه وسلم: كيف تجدك؟ فقال الشاب: والله -يا رسول الله- إني لأرجو الله وأخاف ذنوبي.

فقال صلى الله عليه وسلم: ما يجتمعان في قلب عبد مؤمن في مثل هذا الموقف إلا أعطاه الله ما يرجوه وآمنه مما يخافه)، ألسنا نشعر ونحن في هذه الفريضة العظيمة والعبادة الجليلة بشيء من رجاء يعظم كلما تلونا وكلما ذكرنا وكلما دعونا؟ كأنما نستشعر رحمة الله ومغفرته، كأنما نريد أن ننالها بأيدينا، كأن أشواق قلوبنا وآمال نفوسنا معلقة حقيقة بهذه الرحمة والمغفرة، ونحن نستحضر ما ذكره النبي صلى الله عليه وسلم: (إن الله ينزل إذا بقي الثلث الأخير من الليل فيقول: هل من تائب فأتوب عليه؟ هل من مستغفر فأغفر له؟ هل من سائل فأعطيه؟ وذلك الدهر كله) ألا تتوق نفوسنا؟ ألا تشتاق قلوبنا؟ ألا تتعلق أرواحنا؟ ألا نستشعر بأن قلوبنا تحس هذه المعاني من تعلقها برجاء الله وخوفها من معصية الله أكثر مما نكون عليه في غير هذا الموسم العظيم والعبادة العظيمة؟! إنها نفحات القلوب، يصبها هذا الشهر العظيم فيها: {إِنَّمَا الْمُؤْمِنُونَ الَّذِينَ إِذَا ذُكِرَ اللَّهُ وَجِلَتْ قُلُوبُهُمْ وَإِذَا تُلِيَتْ عَلَيْهِمْ آياتُهُ زَادَتْهُمْ إِيمَانًا وَعَلَى رَبِّهِمْ يَتَوَكَّلُونَ} [الأنفال:٢]، كم نسمع في هذا الشهر من ذكر الله؟! كم نتلو من آيات الله؟! كم نشعر بأن قلوبنا تخفق خوفاً أو تتحرك رجاءً من هذه المعاني التي نتصل بها؟ وذلك من رحمة الله سبحانه وتعالى: {إِنَّ الَّذِينَ هُمْ مِنْ خَشْيَةِ رَبِّهِمْ مُشْفِقُونَ * وَالَّذِينَ هُمْ بِآيَاتِ رَبِّهِمْ يُؤْمِنُونَ * وَالَّذِينَ هُمْ بِرَبِّهِمْ لا يُشْرِكُونَ * وَالَّذِينَ يُؤْتُونَ مَا آتَوا وَقُلُوبُهُمْ وَجِلَةٌ أَنَّهُمْ إِلَى رَبِّهِمْ رَاجِعُونَ * أُوْلَئِكَ يُسَارِعُونَ فِي الْخَيْرَاتِ وَهُمْ لَهَا سَابِقُونَ} [المؤمنون:٥٧ - ٦١] كل يوم ندعو ونقول: اللهم! تقبل صيامنا وقيامنا، نعمل ونحن في خوف أن لا يقبل منا، أليست هذه من مشاعر الإيمان؟! قال النبي صلى الله عليه وسلم لأم المؤمنين عائشة لما قرأت هذه الآية وقالت: (هو الرجل يسرق ويزني ويشرب الخمر يا رسول الله؟ قال: لا يا ابنة الصديق، ولكنه الرجل يصوم ويصلي ويتصدق ويخشى أن لا يقبل منه) ونحن اليوم -بحمد الله- نشعر بذلك، نصلي ونصوم ونتصدق ونقول: اللهم! اقبلنا.

اللهم! اقبلنا.

نخاف أن لا تقبل أعمالنا، كما قال الحسن رحمه الله: لقد أدركت أقواماً هم أخوف منكم من أن تحاسبوا على سيئاتكم من أن تقبل منهم أعمالهم أي: كان خوفهم من قبول الأعمال أعظم من خوفنا على محاسبتنا على الآثام.

وذلك أمر عظيم في شأن القلوب متى وجد فيها، فإنه كما قال الله عز وجل: {أُوْلَئِكَ يُسَارِعُونَ فِي الْخَيْرَاتِ وَهُمْ لَهَا سَابِقُونَ} [المؤمنون:٦١] ومعنى ذلك أنك تكثر من صيامك، وتزيد من صلاتك، وتعظم من نفقتك، ثم بعد ذلك ترى أنك لم تعمل شيئاً، وترى أنك ما زلت تأمل في قبول الله عز وجل، فما تزال تعمل وتعمل، وما تزال تتحين تعرضك لرحمة الله وكثرة دعائك له ورجائك في قبول عملك عنده، وهذه كلها فيوض إيمانية قلبية لا نشعر بها كما نشعر بها في هذا الشهر العظيم وهذا الصوم الجليل، فلنتنبه لذلك ولنحرص عليه.