للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

[الجد والاجتهاد في البحث عن طرق لنشر هذه الدعوة]

نلمح أيضاً معلماً عظيماً في الصفحة الثامنة من سيرة النبي صلى الله عليه وسلم، وهو المعلم الذي تمثل في خروج النبي صلى الله عليه وسلم إلى الطائف عندما لم تكن هناك استجابة من قريش وأهل مكة، فخرج عليه الصلاة والسلام إلى الطائف يدعو أهلها، ونعلم ما قام به الكفار من أهل الطائف في ذلك الوقت من الإيذاء للنبي صلى الله عليه وسلم، والإعراض والصد عنه، وإغراء السفهاء به، فقذفوه بالحجارة حتى دميت أقدامه عليه الصلاة والسلام.

في هذه الصفحة معالم أخرى، وأسس مهمة في الدعوة التي رسمها لنا النبي صلى الله عليه وسلم، فهي تمثل لنا صورة مهمة من صور الحماسة والانطلاق، فليس الأمر دائماً هو نوع من السكون أو الهدوء، بل كان النبي عليه الصلاة والسلام في قلبه من الغيرة لهذا الدين والحماسة له، ما جعله يلتمس طُرُقاً إلى أي قوم، أو إلى أي بلد يمكن أن يلقى فيه قبولاً لهذه الدعوة.

والأمر الثاني هو: أن هذه الدعوة عالمية وليست إقليمية، فليست مختصة بعرب دون عجم، ولا ببلاد دون بلاد، بل ينبغي أن يسير بها المسلمون إلى البشر أجمعين، وإلى كل الأقطار بلا استثناء، فإذا أعرض عنها قوم فإن قوماً آخرين سيَقْبلون ويُقبِلون بإذن الله عز وجل، وهذا أيضاً يدلنا على صورة ثالثة وهي: عدم اليأس، وعدم الركون أو القعود عن الدعوة؛ لأجل إعراض المعرضين، أو صد الذين يصدون عن دين الله عز وجل، فإن قريشاً عندما صدّت وامتنعت التمس النبي عليه الصلاة والسلام الطريق إلى الطائف، وعندما صد أهل الطائف وامتنعوا، عاد النبي صلى الله عليه وسلم إلى مكة، وظل يدعو حتى شرح الله صدور الكوكبة الأولى من الأنصار في بيعة العقبة إلى الإسلام، وكانوا بذرة من البذور التي أثرت في الدعوة الإسلامية.