للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

[معنى التصفية والتربية في الدعوة إلى هذا الدين]

السؤال

هل نوافق على أن الدعوة تكون إلى تصفية الدين من كل ما ليس منه، ثم التربية على هذا الدين المصفى؟

الجواب

معنى هذا أن التصفية قبل التربية، بغض النظر عن المسميات، والمعنى في حد ذاته صحيح، فينبغي أن يخرج الإنسان من نفسه ومن قلبه كل حكم، وكل مبدأ، وكل شهوة لا تتوافق مع شرع الله عز وجل وسنضرب مثالاً لتوضيح هذا الأمر: إذا أردت أن تجلس في مكان ما، فأول أمر هو أن تنظف هذا المكان، ولا تضع الفرش الذي تريد أن تجلس عليه إلا على مكان نظيف؛ لأن عدم فعلك لهذا لا يجعلك تحقق الفائدة من هذا الفرش، إذ قد تأتي هذه القاذورات مرة أخرى وتفسد عليك مرادك، وإذا أردت مثلاً أن تخرج من مكان ما بعض القاذورات في وقت ريح، فلا بد أن تجعل هناك حاجزاً ثم تخرج هذه الأشياء؛ حتى لا تعيدها الريح مرة أخرى.

ونحن أيضاً نحتاج في هذه العصور التي غلبت فيها الكثير من الأفكار والشهوات والسلوكيات على بعض المسلمين أن يخرجوها من قلوبهم، ومن عقولهم، وأن يبطلوها من سلوكهم وواقعهم، وأن يتحلوا بعد ذلك بهذا الدين، وهذا ما يسمى بالتصفية ثم التربية، أو ما يسمونه أحياناً التخلية ثم التحلية، أي: قبل أن تحلّي لا بد أن تخلي الشوائب، ثم تحليه حتى تنتفع به، ولا شك أن هذه الازدواجية الموجودة في بيئات المسلمين تجعل الأمرين متلازمين معاً، فنحن ننكر الباطل، ونعارض المنكر، ونبين خطأه وحرمته للناس، وفي الوقت نفسه نبين لهم الحل الإسلامي، والشرع الإسلامي، فنحن نقول للناس: إن التبرج وإن الزنا من المحرمات، وإن الله عز وجل قد شرع الزواج والتعدد بدلاً عن هذا، ونقول لهم على سبيل المثال: إن الربا حرام، وإن البيع حلال.

فلابد أن نبين لهم الأمر وما يكافئه، فعندما ننقض الباطل فإننا نظهر الحق، فيكون بياننا لعوارِ الباطل مهيئاً لقبول الحق، ومحاسن هذا الحق ستجعل الناس متشبثين به بعد أن رأوا معالم بطلان الباطل، وقد كان هذا الأمر نظرياً في وقت من الأوقات، إلا أنه بحمد الله قد صار في كثير من الأحوال عملياً، فكان الناس في الأول يحدثهم الدعاة والعلماء عن خطر الشيوعية والاشتراكية، وبطلانها وفسادها، ويطيلون القول في ذلك لمن اقتنعوا بها وتأثروا بها؛ حتى يثبتوا لهم أن الإسلام هو الصحيح، فكانت هناك قناعات إلا أن هذه القناعات قد تكون ضعيفة، ولكن عندما يؤكد الواقع العملي بطلان هذه المذاهب فإن المسألة تكون سهلة، فاليوم لو كان هناك عاقل لا يزال في عقله بعض أفكار الشيوعية والاشتراكية فإنك عندما تناقشه، والواقع الذي في الحياة قد سقط وهوى، فإنه لا شك سيكون اقتناعه أقوى وأكبر.

وإذا قلنا للناس: إن العري والتفسخ والاختلاط مضر، وسيؤدي إلى نكبات، فهذا أمر حسن، ولكن عندما يرون اليوم واقع البلاد الكفرية، ويرون ما فيها من البلاء والأمراض والجرائم وغيرها من آثار ذلك، فإن هذا أبلغ وأقوى في الإقناع، فلا بد من الأمرين معاً.