للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

[التحذير من فساد ذات البين]

في حديث أبي هريرة رضي الله عنه عن رسول الله صلى الله عليه وسلم صيغة في ذات المعنى، لكنها صيغة تحذير: (إياكم! وسوء ذات البين؛ فإنها الحالقة)، رواه الترمذي وقال: حديث صحيح.

فكم يسعى كثير من الناس اليوم في أن يفسدوا بين هذا وذاك، وأن ينقلوا الكلام على سبيل النميمة وإذكاء نار البغضاء والشحناء! وكم نرى صوراً من ذلك وننسى التحذير الخطير الذي رواه عبد الله بن الزبير عن رسول الله صلى الله عليه وسلم في تحذير استقرأ واقع البشرية وتاريخ الأمم في قوله صلى الله عليه وسلم: (إياكم وداء الأمم قبلكم: الحسد والبغضاء، هي الحالقة، لا أقول تحلق الشعر، ولكن تحلق الدين، والذي نفسي بيده! لا تدخلوا الجنة حتى تؤمنوا، ولا تؤمنوا حتى تحابوا، أفلا أخبركم بشيء إذا فعلتموه تحاببتم؟ أفشوا السلام بينكم).

وعقد البخاري باباً في صحيحه فقال: باب في الإصلاح بين الناس إذا تفاسدوا، وقول الله تعالى: {لا خَيْرَ فِي كَثِيرٍ مِنْ نَجْوَاهُمْ إِلَّا مَنْ أَمَرَ بِصَدَقَةٍ أَوْ مَعْرُوفٍ أَوْ إِصْلاحٍ بَيْنَ النَّاسِ وَمَنْ يَفْعَلْ ذَلِكَ ابْتِغَاءَ مَرْضَاةِ اللَّهِ فَسَوْفَ نُؤْتِيهِ أَجْرًا عَظِيمًا} [النساء:١١٤]، ثم قال: وخروج الإمام إلى المواضع ليصلح بين الناس لأصحابه، وذلك من فعله عليه الصلاة والسلام عندما أمر أبا بكر أن يبقى ويصلي بالناس، وذهب عليه الصلاة والسلام إلى بني عوف مع بعض أصحابه ليصلح ما بينهم من خصومة.

وفي حديث أبي هريرة الشهير عن النبي صلى الله عليه وسلم في ذكر أنواع الصدقات قال: (وتعدل بين الناس صدقة).

وقال ابن حجر رحمه الله: أنواع الصلح كثيرة: صلح المسلم مع الكافر، والصلح بين الزوجين، والصلح بين الفئة الباغية والعادلة، والصلح لقطع الخصومة إذا وقعت المزاحمة في الأموال أو المشتركات.

وكلنا يعلم الحديث الذي ترويه أسماء عن رسول الله صلى الله عليه وسلم: (لا يحل الكذب إلا في ثلاث: تحديث الرجل امرأته ليرضيها، والكذب في الحرب، وفي الإصلاح بين الناس)، فعظيم هذا الدين الذي يجعل تأليف القلوب وجمع الصفوف يستثني الكذب للوصول إلى هذه الغاية، فأصلح بين الناس ولو قلت لأحد الخصمين: إنه يحسن الظن بك، وهو ليس كذلك، ولو قلت: أنه يذكرك بخير، وإن لم يذكره إلا بخير قليل؛ لأن في هذا القول هدفاً هو أسمى وأعلى، إنه هدف ألفة المسلمين وأخوتهم ووحدتهم وقوة رابطتهم واستمرار صلتهم وعلاقتهم.

وفي حديث أم كلثوم بنت عقبة عند البخاري في الصحيح وغيره: (ليس الكذاب الذي يصلح بين الناس فينمي خيراً أو يقول خيراً).

كل هذه المعاني هي في ديننا، فما بال القلوب قد استبدت بها البغضاء، والنفوس قد ملئت بكثير من الشحناء، وصار بين الناس ما نراه ونلمسه؟!