للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

[حاجة الدعاة إلى العمل الجماعي حتى تؤتي الدعوة ثمارها]

السؤال

هل يستطيع الصياد أن يصيد منفرداً بهذه المهارة؟

الجواب

المهارة في أصلها فردية، لكن النتيجة لا تكون إلا جماعية، ونحن الآن تكلمنا عن الصياد، والصيادين يعملون معاً، ولهم سوق واحد يبيعون فيها، وربما يستعين بعضهم ببعض فيأخذ هذا شبكة ذاك أو يستعين به، وكما يقال: الناس بعضهم لبعض -وإن لم يفطنوا- خدم.

فلا يمكن للإنسان أن يستغني عن الآخرين في شئون الحياة، ولا في شئون المهنة، فالصياد لا يستغني عن الصيادين، والمهندس لا يستغني عن المهندسين، والطبيب لا يستغني عن الأطباء، والداعية لا يستغني عن الدعاة، وطالب العلم لا يستغني عن العلماء وطلبة العلم، فلابد أن تتضافر الجهود لتكون المسألة متكاملة، لأننا حينما نتكلم عن الصيد هنا فإننا نتكلم عن صيد قلوب وصيد عقول وصيد أرواح، لابد له أن يبقى حياً متنامياً، ونحن نريد أن نبعث أمة دب فيها الضعف، ووهنت قواها، وتسلط عليها أعداؤها فما يمكن لإنسان أن يملك سيفه وأن يفل الصفوف وهو واحد منفرد: تأبى الرماح إذا اجتمعن تكسراً وإذا افترقن تكسرت آحادا وأعداؤنا تجمعوا أشتاتاً علينا فلابد أن يكون دأب المؤمن هذا الأمر، وليلتفت في ذلك إلى صيغة الأمر الجماعي في كل أقوال الله سبحانه وتعالى: يا أيها الذين آمنوا {تَعَاوَنُوا عَلَى الْبِرِّ وَالتَّقْوَى وَلا تَعَاوَنُوا عَلَى الإِثْمِ وَالْعُدْوَانِ} [المائدة:٢] {وَأَقِيمُوا الصَّلاةَ} [البقرة:٤٣] {تَأْمُرُونَ بِالْمَعْرُوفِ وَتَنْهَوْنَ عَنِ الْمُنكَرِ وَتُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ} [آل عمران:١١٠]، ما خوطب الفرد المسلم منفرداً، حتى في الأمور العامة في العبادات هو يقول: {إِيَّاكَ نَعْبُدُ وَإِيَّاكَ نَسْتَعِينُ} [الفاتحة:٥] ويدعو له ولأمة الإسلام {اهْدِنَا الصِّرَاطَ الْمُسْتَقِيمَ} [الفاتحة:٦] وشعائر الإسلام كلها مبنية على الجماعية؛ فالصلاة في جماعة، والصوم في وقت واحد للأمة كلها، والحج يجمع أشتات الناس وأخلاطهم من أهل الإيمان في موضع واحد، وما من أمر إلا والانتداب إليه في هذه الصورة الجماعية، مما يؤكد أنه لابد لمثل هذا الأمر أن يكون على هذا النهج، وكان بعض السلف يدعو في رجال معه، وكان سهل بن سلامة -كما ذكر الطبري في أحداث عام مائتين وعشرة في تاريخه- يأخذ البيعة على الناس بالأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، وكان بعض السلف يخرجون ولا يستصحبون معهم إلا رجالاً لا يأكلون إلا من عمل يدهم، حتى يكون ذلك أدعى إلى الإخلاص، وإلى القبول وإلى التوفيق في حصول المقصود، فلا شك أن الإنسان الذي يكون منفرداً وحيداً لا يستطيع فعل الأمر على وجهه، بل حتى في المهمة الواحدة يحتاج المرء إلى من يعينه، فالصياد الذي يريد أن يصيد سمكاً بشبكة يحتاج إلى من يعينه، فيكون هناك غالباً اثنان أو ثلاثة أو أربعة يقومون بعمل مشترك، ويركبون زورقاً واحداً، وينصبون الشبكة ويفردونها، ويقتسمون العمل فيما بينهم فهذا تكون مهمته رمي الشبكة، وذاك تكون مهمته الأخذ، وذاك تكون مهمته توجيه الزورق، وهكذا.

والإنسان في طبيعة خلقته كل شيء فيه متكامل، وجسمه هذا يعلمه الجماعية، إذ لا يستغني عقله عن يديه، ولا يده عن قدمه، فلا يمكن أن يمشي على يده؛ لأن رجله جعلت لهذا الأمر، ولا يمكن أن يأخذ برجله؛ لأن يده جعلت لهذا الأمر.