للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

[ثلاثية الإنجاز والعمل]

الأولى: ثلاثية الإنجاز، بعض الناس يريد أن يعمل، ويريد أن يحقق الآمال، ويريد أن ينجب، ويريد أن يرتقي في بعض المراكز، وفي بعض الميادين، ولكنه يريد ذلك وهو نائم ملء عينيه، وضاحك ملء شدقيه، وهذا لا يمكن أن يكون: لا تحسب المجد تمراً أنت آكله لن تبلغ المجد حتى تلعق الصبرا الحياة لابد لها من كفاح، ولابد لها من جد، ولابد لها من عمل، كيف سيكون حاله وهو جالس في مكانه لم يعمل؟ يعني: مثل ما يقولون: مكانك سر، فهذا كما قال بعض الأدباء: الأماني بضاعة الموتى، أي: الحمقى، والأحمق هو الذي يقول: لو كان كذا، لو كان عندي كذا.

ويذكرون عن بعض الحمقى أنهم قد يذكرون الأماني وكأنها قد تحققت فيختلفون عليها فيتضاربون عليها، وهم ما زالوا في كلام وفي فراغ.

فالعمل والإنجاز لابد له من أمور، ولابد له من متطلبات، وهذه بعضها: وهي الإصرار والاستمرار والإخلاص إذا أردت أن تنجز عملاً، فلابد أن تكون قد حددت هدفك، وعرفت مقصدك، وتحريت الإخلاص، وحددت الغاية والثمرة المرجوة من هذا، وعلمت أن في هذا مصلحة شرعية ومصلحة دنيوية، حينئذ تصر على أن تحقق هذا العمل وأن تنجزه، وأما بعض الناس يريد أن يعمل، ولكن يقول: ولماذا هذا؟ يكفيني أقل منه، ويرضى بالدون، وكما قال المتنبي: ولم أر في عيوب الناس عيباً كنقص القادرين على التمام فينبغي للإنسان أن يصر على معالي الأمور، إذا رأى أمراً حسناً جيداً وهو من المعالي ومن الأمور العظيمة والكبيرة والجسيمة، فلابد له أن يصر على إنفاذه وتحقيقه ولا يرضى بالدون؛ لأن الدون يظهر أن همته ضعيفة، وأن عزمه كليل، وأنه ليس من أصحاب الجلد والقوة، فلابد من الإصرار، فإن فشلت تجربة لا يكتفي ويغلق الباب، ولو فشلت تجربة ثانية، وربما ثالثة، أو وجدت عوائق، لابد أن يكون مصراً، وكما ذكروا أن النملة الصغيرة مثل في الإصرار والدأب بشكل عجيب، فتراها إذا أرادت بلوغ الشيء وبلغت بعضاً منه أو أوله فإنها لا تركن ولا تخلد إلى الراحة، بل تستمر حتى تصل إلى النتيجة.

إذاً: على المرء ألا يرضى بالمنزلة التي هو فيها، وإذا أراد الاستمرار، فلابد له أيضاً من الحرص على الاسترواح حتى يتجدد نشاطه، وحتى تستجد له في كل يوم فكرة جديدة، وفي كل وقت تفريع جديد يقوده إلى تشغيل ذهنه، وإلى قوة رغبته في تحقيق هذه الأمور والمنجزات.

وهذه أمور لو نظرنا إليها في واقع الحياة لوجدناها، ولو نظرنا إليها في واقع التجارب القديمة والحديثة لوجدناها، فقل أن تجد إنساناً عصامياً أو قد نال مراتب عالية، أو قد بدأ من الصفر إلا وهو عنده إصرار عجيب، واستمرارية دائبة، وابتكار وتجديد مستمر لا يتوقف، وهذا هو الذي ينبغي أن يحرص عليه المسلم، لا أن يكون محباً للعجز والعمل اليسير؛ لأن كثيراً من الناس إذا كان العمل فيه دوام، فإنك تراه يبحث عن عمل أقل منه، ولو بأقل عوائد أو بأقل فوائد، فينبغي للإنسان أن يتنبه لهذا.