للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

[مفارقات بين ساسة الإسلام وساسة اليهود]

نرى المفارقة العجيبة بين الذين يتصدرون لهذه القضية باسم العروبة والإسلام، وبين اليهود -عليهم لعائن الله-، إنهم في كل حركة وسكنة، وفي كل تصريح وكلمة، وفي كل جولة ومفاوضة يعلنون حقائقهم الدينية، ويعلنون واقعهم المفروض، ولا يفرطون بشيء، والآخرون يتراجعون خطوة بعد خطوة بعد خطوة، حتى لم يعد لهم شيء إلا الهاوية التي في حقيقة الأمر قد وقعوا فيها وتدنسوا بوحلها شاءوا أم أبوا، انظروا إلى الفروق العجيبة بين تلك التراجعات والتنازلات وبين ما كان يصر عليه اليهود ليس عندما قامت دولتهم الغاصبة بل قبل ذلك.

زعيم الصهيونية هرتزل في عام ١٩٠٢ تقدم بطلب للسلطان عبد الحميد العثماني رحمه الله آخر الرجال والحكام الشرفاء الأطهار الذين وقفوا بقامة الإسلام وعزة الإيمان، وثبتوا على مواجهة مطامع اليهود وتدنيسهم، تقدم اليهودي الصهيوني الأكبر طالباً إنشاء جامعة في القدس، وقال في طلبه: إنها ستنشر العلم بين أبناء بلاد الشام بدلاً من أن يسافروا إلى بلاد أخرى، ويتعرضوا لتأثيرات الثورات والأفكار وغير ذلك، فأبى الخليفة المسلم المؤمن الغيور.

وما إن جاء الانتداب البريطاني وقبل أن يستتم، وقبل أن يبدأ في حقيقة الأمر، وقبل أن تنتهي الحرب العالمية الثانية جاءت هذه الجامعة عام ١٩١٨ وأسسها اليهود، وافتتحها وأصر على حضورها بلفور؛ صاحب الوعد المشهور؛ الذي أعطى فيه ما لا يملك لمن لا يستحق، وجاء ليقول في ذلك الزمان قبل أن تقوم الدولة الغاصبة بعقود من الزمان: (إنه يأمل أن تصبح هذه الجامعة مركز إشعاع سياسي وقومي للحركة الصهيونية في جميع منطقة الشرق الأوسط من سيناء إلى سوريا إلى شرق بغداد إلى مدى أوسع من ذلك)، قاله ذلك الصهيوني اليهودي قبل أن نسمع ونعي ما يدور اليوم من هذه الأحداث، وتشابك الأرض والبقاع، وما وراء ذلك عظيم! ثم انظروا إلى سياسة اليهود التي قبلها: الضعفاء أو الأذلاء، أو الخونة يوم جعلوا قضية القدس في كل جولة من الجولات تؤجل وتؤجل دون أن يطالبوا بتأجيل أي تغيير في واقعها، حتى أصبحت اليوم وقد امتلأت بالمستوطنات اليهودية، وقد منعوا وخربوا كل أملاك المسلمين والعرب، وأغلقوا أكثر المؤسسات، حتى صارت أو أرادوا ويريدون أن تصير يهودية صرفة ليس فيها للعرب والمسلمين إلا نسبة قليلة، ويكون الحل في آخر الأمر هو الاستفتاء على انضمامها لتلك الدولة أو تلك الدويلة، وينتهي الأمر إلى أن تكون نصوص القرآن والسنة وتاريخ الأمة ومصيرها مرتبط بألسنة اليهود ليقولوا: نعم أو لا، وذلك مسلسل واضح معروف.

وللأسف الشديد نرى أن أعداءنا يبذلون له، لا ينسونه أبداً، منذ أول رئيس لدولة الكيان الصهيوني الغاصب، وهو يقول: (إن قضية القدس قضية إرادة عسكرية)، ويوم جاء المندوب السامي أو مندوب المفاوضات في ذلك الوقت ليعرض خطوة من خطوات السلام -التي لم نكن نسمع عنها إذاك- وقال: ينبغي أن يكون للعرب في القدس نصيب، فجاءه الجواب من وزير الخارجية: إن حكومة إسرائيل -اللعينة- شعرت بالامتهان البالغ بسبب اقتراحكم الخاص بمستقبل القدس، ذلك الاقتراح الذي نرى فيه شراً مستطيراً، ففكرة تسليم القدس للعرب يمكن أن تساعد على تسوية سلمية لا تزول بالخاطر إلا إذا تجاهل المرء تاريخ المشكلة وحقائقها، وهي الروابط التي تربط اليهود بالمدينة المقدسة، والدور الفريد الذي قامت به القدس في ماضي اليهود وحاضرهم، وهم يعلنونها عاصمة أبدية لدولتهم لا تقبل المفاوضات، وفي كل انتخابات لابد أن يعلن من يتصدر فيها مثل هذا الإعلان، ومع ذلك ما زالوا يقولون هذه الأسماء المختلفة.