للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

مسار الصفحة الحالية:

[التهوين]

العائق الثاني: التهوين، أي: تهوين بعض المعاصي، وبعض الناس إن قلت له: استغفر الله أو تب إلى الله، قال: ما عملت شيئاً، يظن أنه لا يستغفر إلا إذا ارتكب أكبر الكبائر وأفظع الفظائع، وما يدري أنه ينبغي له أن يستغفر ويتوب من تقصيره في ذكر ربه وتعظيمه لمولاه سبحانه وتعالى، أليس قد غفر الله جل وعلا لرسوله عليه الصلاة والسلام ما تقدم من ذنبه وما تأخر؟ وأليس هو القائل عليه الصلاة والسلام: (إني لأستغفر الله وأتوب إليه في اليوم سبعين مرة)، وفي روايات أخرى: (مائة مرة)؟ أليس هو عليه الصلاة والسلام القائل: (أفلا أكون عبداً شكوراً)؟ وأي ذنب هذا الذي نستهين به ونستصغره ونحن قد وقعنا فيما هو من العظائم والفظائع التي لم ندركها؟ أليس قد قال النبي عليه الصلاة والسلام: (إن الرجل ليتكلم بالكلمة من سخط الله لا يلقي لها بالاً يهوي بها في النار سبعين خريفاً)؟ كلمة من سخط الله تقولها -وما أكثر ما نقول- لا تلقي لها بالاً، لا تظنها من الأمور التي ينبغي أن يطول ندمك عليها، وأن يعظم استغفارك عنها، تهوي بها في النار سبعين خريفاً.

ألم تستمع لفقه أهل الإيمان من صحابة رسول الله صلى الله عليه وسلم ومن تبعهم بإحسان؟ ألم تسمع لما صح عن ابن مسعود: (إن المؤمن يرى الذنب كأصل جبل يوشك أن يقع عليه، وإن المنافق يرى الذنب كذباب وقع على أنفه فقال به هكذا؟) فمن استهان بالذنوب فإنه يشبه المنافقين في عدم تعظيمه وتوقيره لرب العالمين.

ألم تستمع لقول أنس في الصحيح: (إنكم لتعملون أعمالاً هي في أعينكم أدق من الشعر -أي: تستهيون بها، وترونها هينة سهلة- كنا نعدها على عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم من الموبقات) لحياة قلوبهم، ولتعظيم ربهم، ولاستعظامهم لما يقع من مخالفة العبد لربه، وارتكابه ما حرمه عليه، وهم من هم ممن كانوا على قدم وساق في الطاعات، وعلى شدة ورع واحتياط من ترك الشبهات فضلاً عن التخلي والبعد عن المحرمات.

أليس قد قال الحسن البصري رحمه الله تعالى: (إني قد أدركت أقواماً هم أخوف ألا تقبل منهم حسناتهم منكم من أن تحاسبوا على سيئاتكم؟) فمن سلف كانوا يخافون رغم طاعاتهم أن يحرموا القبول، فما يزال خوفهم يملأ قلوبهم، ويجري بالدموع عيونهم، ويذل لله عز وجل جباههم، ويديم على مدى الزمان ندمهم وكثرة طاعتهم وعبادتهم، وما يزال في قلوبهم الخوف، كما أخبر النبي صلى الله عليه وسلم عندما سألته عائشة عن قوله عز وجل: ({وَالَّذِينَ يُؤْتُونَ مَا آتَوا وَقُلُوبُهُمْ وَجِلَةٌ أَنَّهُمْ إِلَى رَبِّهِمْ رَاجِعُونَ} [المؤمنون:٦٠] قالت: هو الرجل يسرق ويزني ويشرب الخمر؟ قال: لا يا ابنة الصديق، ولكنه الرجل يصوم ويصلي ويتصدق ويخشى ألا يقبل منه).

وهذا بلال بن سعد يقول: (لا تنظر إلى صغر الذنب، ولكن انظر إلى عظمة من عصيت).

فهذا هو الذي ينبغي أن تستحضره، وإياك وتهوين الذنوب.