للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

[وصايا مهمة للعازم على الحج]

هنا جملة من الوصايا للذي يعزم على الحج نلخصها في الآتي: أولاً: أن يتوب العازم على الحج إلى الله سبحانه وتعالى توبة نصوحاً يقدمها بين يدي إقباله على الله سبحانه وتعالى وشروعه في هذه الفريضة التي مبناها الأول على الاستجابة والطاعة المطلقة لأمر الله، والسعي الدائب لنيل رضوان الله سبحانه وتعالى.

ثم تحقيق الإخلاص وتحرير النية لله سبحانه وتعالى؛ لأن الحج في مغزاه الأول ومعناه الأعظم تحرير القصد لله سبحانه وتعالى.

ومن ذلك أيضاً أنه ينبغي له عند تحقيق هذا المعنى أن يتحرى النفقة الحلال ليكون حجه أدعى وأجدر بالقبول عند الله سبحانه وتعالى.

إذا حججت بمال أصله سحت فما حججت ولكن حجت العير لا يقبل الله إلا كل صالحة ما كل حج لبيت الله مبرور ومما ينبغي للحاج أن يتهيأ به أن يتعلم المناسك، وأن يأخذ من فقهها ما يصح به حجه، وهو في حقه فرض عين؛ لأن على الإنسان أن يتعلم ما تصح به عبادته، كما لو حاز نصاب الزكاة فحينئذ يجب عليه أن يتعلم أحكام الزكاة وفرضها ومشروعيتها وما يجب في ماله لله سبحانه وتعالى، وإن عزم على الحج وجب عليه أن يتعلم أحكامه، ومشكلة الناس اليوم أنهم يتهيئون ويتزودون ويستعدون بكل شيء، إلا أن كثيراً منهم لا يتهيأ لمعرفة المناسك وتعلمها، فتجده يهيئ المال ويسأل عن الطريق وعن الراحة وعن المخيمات وغير ذلك، لكن لا يعتني بجانب أحكام المناسك.

ومن ذلك -أيضاً- اختيار الرفقة الصالحة التي تعين على أمرين مهمين في هذه الفريضة: الأمر الأول: أمر العلم والفقه في المناسك.

الأمر الثاني: عدم الإتيان بما يجرح كمال العبادة في الحج.

إذ بعض الناس قد يأتي بالحج أركاناً وواجبات، لكنه لم يأت بالكمال من استغلال الأوقات في أنواع الطاعات، ولم يكن ممن يبتعد ويتقي كل ما قد يجرح أو ينقص أجر الحاج في حجه من أمور كثيرة يقع فيها الناس من غيبة أو نميمة أو جدال أو خصام أو سوء ظن أو نحو ذلك، أو أذى للناس والحجاج وغير ذلك من الأمور، فهذا مما ينبغي أن ينتبه له الحاج أيضاً.

ومن هذه الوصايا -أيضاً- أن يأخذ الإنسان بالرفق وحسن الخلق والتحلي بالصبر، فإن هذه الفريضة نوع من الجهاد، ومهما بالغ الناس في الترفيه وإيجاد الخدمات من التكييف والطعام والفرش وكذا إلا أنها يبقى فيها نوع من المشقة والخشونة، فإذا لم يتحل الإنسان بالصبر ويوطن نفسه على أنه يبذل ويتحمل لأجل مرضاة الله سبحانه وتعالى فإنه عند وجود أقل عارض يجزع، وتجد كثيراً من الحجاج يبطلون حجهم أو يجرحونه إذا قلت برودة الماء أو تأخر وقت الطعام، وذلك بالجزع، ولم يكن عنده رحابة الصدر ولا لين الجانب، ولا إظهار هذه الأخلاقيات التي هي من تمام وكمال هذا الفرض.

وكذلك -أيضاً- يحتاج الحاج إلى أن يستصحب الزاد الذي أخبر الله عز وجل عنه في فريضة الحج على وجه الخصوص، حينما قال جل وعلا: {وَتَزَوَّدُوا فَإِنَّ خَيْرَ الزَّادِ التَّقْوَى} [البقرة:١٩٧] فاستحضار التقوى من التوقي لكل ما فيه معصية لله عز وجل أو كراهة أو حرمة، وكذلك الحرص على كل ما فيه طاعة وفضيلة وأجر.

والوصية التي بعدها حسن المعاملة وعدم الأذى، فإن حسن المعاملة مع الناس مطلوبة، لكن في كثير من الأحوال قد لا يستطيع الإنسان بحكم شغله أو بعده أن لا يتعامل إلا مع فئة محدودة أو قليلة، لكنه في الحج قطعاً يتعامل مع كثير من الناس شاء أم أبى، سواء أكانوا في طوافهم، أم في رميهم، أم في سيرهم وحلهم وترحالهم، ويتعامل مع أناس لا يعرف لغتهم، ولا يعرف تفكيرهم، ولم يسبق له معرفتهم، فلذلك لابد من أن يجمع العزم على أن يكون حسن التعامل لين الجانب.

وآخر وصية هي أن يستحضر التواضع والبعد عن كل أسباب الكبرياء؛ فإن الحج مبناه الأعظم على أن الإنسان قد تجرد من هذه الدنيا وزينتها، ومن الفوارق التي تفرق بينه وبين الآخرين، فأجدر به أن يراعي التواضع واللين مع حجاج بيت الله الحرام؛ لأنه إذا ذل لله سبحانه وتعالى ينبغي أن يلين لإخوانه المؤمنين.