للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

[التوعية والدعوة في الحج]

إن موسم الحج أعظم تجمع، وهو أكبر فرصة للتوعية والدعوة للمسلمين من كل مكان، فتصور كل معنى وفائدة يجنيها هذا المسلم يعود بها إلى بلده، وتجد أن كماًَ هائلاً من الحجاج في غالب الأحوال مع حجاج الداخل والخارج قد يبلغون المليونين من الحجاج.

ونقف هنا وقفات: الأولى: الدعاة الرسميون التابعون للهيئة العامة للدعوة والإفتاء والإرشاد قد يبلغ عددهم في بعض الأعوام مائة وخمسة فقط، ولو قسمناهم على أعداد الحجاج ربما يكون نصيب العشرة آلاف أو الخمسة عشر ألفاً من الحجاج واحداً من هؤلاء الدعاة، فلا شك أن هذا في غالب الأمر لا يؤدي الدور كاملاً، بينما في المقابل -لا على سبيل المقارنة- تجد -مثلاً- أن عقد النظافة بمنطقة المشاعر يضم أربعة وعشرين ألف عامل لينظفوا الشوارع والطرقات، ومائة وخمسة ليعلموا الناس فريضة الحج! هل جاء الناس فقط ليتنظفوا أم ليحجوا فيقفوا في عرفة ويبيتوا بمزدلفة ويرموا الجمرات ويخلطوا خلطاً عجيباً؟! لأن بعض الناس لا يعرف شيئاً عن الحج.

الثانية: اللغات.

فكثيراً ما تقع التوعية باللغة العربية، وكأن الحج ليس فيه من ينطقون غير العربية، والصحيح غير ذلك، فتجد أن التوعية تكون قاصرة، وأذكر مرة أنا كنا في بطن عرنة ننتظر الزوال حتى ندخل إلى عرفة، فكانت سيارات التوعية بمكبرات الصوت ينادى فيها: أيها الحاج! أنت خارج عرفة لا يصح بقاؤك في هذا المكان، يجب أن تدخل عرفة وإلا بطل حجك، ويتكرر النداء عشرات وعشرات.

فتلتفت يمنة ويسرة فتجد بعض الناس لا يعرفون ماذا يقول هذا الرجل؛ لأنهم لا يعرفون اللغة العربية، فهل هو ينادي على بضاعة يبيعها، أو هو صاحب إسعاف يريد أن ينقذ الجرحى والمرضى؟! لا يعرفون شيئاً، لذلك فمسألة اللغات مهمة في التوعية، وربما تكون من المقترحات النافعة والمفيدة أن الجهات الشرعية في تلك البلاد -سواء أكانت رئاسة إفتاء أم وزارة حج أو أوقاف أم نحو ذلك- تكاتب هيئة التوعية في المملكة لتنتدب بعضاً من أولئك العلماء والدعاة في تلك البلاد ليدخلوا ضمن برنامج التوعية التي تقوم به الرئاسة في المملكة حتى تستكمل جوانب النقص.

الثالثة: توزيع الكتب والأشرطة.

والكتب والأشرطة توزع باللغة العربية، بينما تجد أكثر الحجاج لا يعرفون العربية، ولو وجدت بدل هذه الكتب نشرة واحدة موجزة بلغات مختلفة ربما انتفع بها الناس أكثر من هذه الكتب.

ونحن نجد في فترة ما قبل الحج أن مئات الآلاف من الكتيبات الصغيرة النافعة توزع على الناس وربما كان كثير منهم لا يحجون ويجعلونها في بيوتهم، وبعضهم يحجون وهم قد عرفوها وعرفوا ما فيها، بينما الكثير من يحتاجون إلى هذه التوعية لا تصل إليهم بالصورة المطلوبة.

الرابعة: أن التوعية لا ينبغي أن تكون في الحج، بل ينبغي أن تكون قبل الحج؛ لأن أكثر الحجاج بعد أن يخطئ ويخلط ويجعل عاليها سافلها يأتي فيسأل ويجد أنه قد أتى بالحج على غير وجهه من أوله إلى آخره، بينما المطلوب أن تكون التوعية قبل الحج، ويمكن أن تكون هناك أمور ميسرة، ذلك أن تقوم الجهات المسئولة بعقد دورة لمدة يوم أو نصف يوم فقط يتعلم الحجاج فيها المناسك بصورة موجزة، ويعطى بها شهادة أو ورقة، ولا يأخذ تأشيرته إلى الحج إلا بعد أن يعرف المناسك؛ لأننا لا نريد أن نستكثر من عدد الحجاج الذين لا يعرفون كيف يحجون ثم يبطل حجهم ويرجعون مرة أخرى وقد لا يتيسر لهم الرجوع.

وهناك -أيضاً- اقتراح، وهو أن تقوم جهات مسئولة في المملكة -ثل وزارة الحج أو غيرها- تصوير شريط فيديو لمدة نصف ساعة عن المناسك، مجموعة من الناس يقومون بالمناسك ويذهبون إلى منى وإلى عرفة في أوقات فراغها، وهذا الشريط يرتب ويذكر التعليق عليه بلغات مختلفة، حتى يوزع على كل الحجاج قبل أن يأتوا أو عندما يأتون، لأجل أن يعرفوا هذه المناطق عبر هذه الصور؛ لأن بعض الحجاج لا يعرفون سوى الكعبة بيت الله الحرام، لكن لا يعرفون عرفة ولا المشعر الحرام، مسميات لا يعرفون حقائقها ولا صورتها، فلذلك تجد أسئلة بعض الحجاج غريبة أحياناً، تراه يأتي فيسأل عن مقام إبراهيم، ربما يظنه جبلاً أو يظنه شيئاً آخر، فليس عنده أي فكرة عن هذه الأسماء وحقيقتها، فمثل هذه التوعية يبدو أنها من أهم القضايا التي تنفع الحجاج، وللأسف الشديد أن كثيراً منها غير موجود.