للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

[ما الذي جعل اليهود يواجهون العرب رغم التفكك الاجتماعي عندهم]

التفسير لا يحتاج إلى كثير من التفكير، فإن بين يدينا من كلام ربنا ما يبين ذلك ويجليه، فقد ضرب الله سبحانه وتعالى عليهم الذلة والمسكنة، وبين أنهم قد باءوا بغضب من الله، ثم جاء الاستثناء الذي يفسر لنا كثيراً من الواقع: {إِلَّا بِحَبْلٍ مِنَ اللَّهِ وَحَبْلٍ مِنَ النَّاسِ} [آل عمران:١١٢]، أما حبل الله جل وعلا فقد انقطع عنهم، وقد ظهر أمر الله عز وجل عند وجود أهل الإيمان والإسلام الصادقين في زمن النبي صلى الله عليه وسلم، وزمن أصحابه رضوان الله عليهم حيث نكسوا على رءوسهم، وهزموا وقتلوا وأخرجوا وطردوا، ولم يكن لهم قوة ولا شوكة ولا أي وجود مطلقاً، وكذلك كانوا في كل مراحل التاريخ الإسلامي الذي كانت الأمة فيه متماسكة، وبكتاب ربها وسنة نبيها صلى الله عليه وسلم مستمسكة.

فما هو حبل الناس؟ إنها حبال كثيرة وليست حبلاً واحداً، والحبل هنا اسم جنس يشمل الواحد وما زاد.

أول ذلك: حبل أعداء الإسلام قاطبة، فإن اليهود يجدون العون والدعم والإسناد المعنوي والسياسي والإعلامي والاقتصادي والعسكري من العالم الغربي النصراني، ومن العالم الشرقي الهندوكي، ونحن وكل الناس نعرف أن الأموال تصب على إسرائيل صباً، وأن المواقف السياسية الحاسمة الرافضة المدافعة عنهم تعلن علناً، وتظهر لكل أحد، وهي كثيرة تلك الصور التي لا تخطئها العين من حجم أولئك القوم الذي يدعمون اليهود وينصرونهم، وذلك لقدر وحكمة ربانية يعلمها الله تعالى، فهذا سبب عظيم من أسباب قوتهم وبقائهم رغم ضعف اقتصادهم، ورغم كثير من مشكلاتهم.

ونحن نعلم أن تلك الاتجاهات والدول الغربية تنطلق إلى ذلك من منطلقات عقدية، وينبغي أن نعرف ذلك وقد أخبرنا الله جل وعلا به في قوله: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لا تَتَّخِذُوا الْيَهُودَ وَالنَّصَارَى أَوْلِيَاءَ بَعْضُهُمْ أَوْلِيَاءُ بَعْضٍ} [المائدة:٥١] فهم أولياء بعض، وأخبرنا أن المنافقين بعضهم أولياء بعض، فنحن نصدق كتاب ربنا، ونكذب كل قول يعارضه ويخالفه.

ولقد ذكرنا من قبل بعض المؤتمرات النصرانية المسيحية الكنسية التي عقدت لأجل دعم الصهيونية، وهم يعتقدون -وخاصة فرقة من فرق النصارى وهم البروتستانت- أن عليهم نصرة اليهود، وأخذوا ذلك من نبوءات كتبهم المقدسة، وما يأملونه ويعتقدونه بالباطل والتحريف، ومنها: أن عيسى عليه السلام سينزل مرة أخرى إلى بيت المقدس، وهم يظنون أن اليهود حينئذ سيؤمنون به ويتابعونه، فهم يسعون لذلك، وعندهم أن هذا لا يتحقق إلا بعد ثلاثة أمور: ١ - قيام دولة إسرائيل.

٢ - كون القدس عاصمة لها.

٣ - إعادة بناء الهيكل لليهود.

وفي استفتاء لأكبر دولة داعمة لإسرائيل وجد أن (٣٩%) من مواطني تلك الدولة يعتقدون بهذه النبوءة، ويدفعون الأموال لتحقيقها، وذلك غير الدعم الحكومي، فتصب عليهم ملايين الملايين من أولئك الحمقى والمغفلين.

وهذه عقائد تضافرهم وتؤيدهم، ومن هنا كان الوعد الذي أعطي لهم في أول الأمر، ومن هنا كانت المسارعة بالاعتراف بدولتهم بعد مرور ثلاث دقائق، ومن هنا كان ذلك الدعم الذي نراه ونلمسه ونجد له شواهد عديدة.

وهناك حبل آخر -وهو وللأسف- حبل يمت للمسلمين بصلة، وهو حبل الضعف والخور وزعزعة اليقين والإيمان في نفوس أهل الإسلام، ثم ما نشأ عنه من ممالأة لهم ومداهنة، بل ومعاونة، بل واشتراك معهم في بعض جرائمهم، ومع أن الله جل وعلا يبين لنا أخلاق اليهود وأفعالهم؛ لنحذر منها، ونحن نرى أيضاً كثيراً من بلاياهم وانحرافاتهم ومع ذلك كله صار المسلمون يطبقونها ويقلدونها، ويسيرون وراءها، وذلك مصداق ما أخبربه المصطفى صلى الله عليه وسلم: (لتتبعن سنن من كان قبلكم حذو القذة بالقذة، حتى لو دخلوا جحر ضب لدخلتموه، قالوا: يا رسول الله! اليهود والنصارى؟ قال: فمن؟!) أي: فمن غيرهم؟! ألسنا نرى كثيراً من أحوال مجتمعات المسلمين تطبعت بخلال اليهود، واتسمت بأخلاقياتهم؟! فقد صار الانحراف والاختلاط ونحو ذلك مما نعرفه شائعاً، ومن هنا ضعف الإيمان، وكادت حقيقة الإسلام أن تخفى من تلك المجتمعات، وجاء بعد ذلك كله ما قلناه من أنه لا يمكن مواجهة أولئك الأعداء، فصارت هناك مواقف الذل والخنوع والممالأة، وحينئذ لم يكن هناك شيء ولا موقف يستطيع أن يكشف ذلك العوار في داخل ذلك المجتمع، ولا أن يهتك الستر عن تلك الصور المخزية التي تبين أن ذلك المجتمع فيه كل الرذائل، بل وفيه كل المخالفات التي تسمى اليوم -بمقياس المنظمات الدولية- مخالفات لا تتفق مع القوانين والشرائع النظامية، وهناك مواقف كثيرة من مواقف المسلمين، ومن مواقف كثير من الذين بأيديهم الحل والعقد تمثل ذلاً للمسلمين، وهواناً لهم، وخوراً وضعفاً أمام أعدائهم، بل ويعطون ما يريدون مع كل ما قد يظهر من خلاف ذلك في صور إعلامية مزيفة، وهذا يدلنا أيضاً على سبب آخر، ويجعلنا نكتشف كذلك أسباب أخرى، ولو أنا رجعنا إلى كتاب ربنا، ولو أنا عرفنا حقائق أولئك القوم لكانت مواقفنا كمواقف أولئك الأبطال الذين يعلمون حقيقة اليهود من واقع معايشتهم في أرض فلسطين، فترى الواحد منهم وهو صغير لا يتجاوز الخامسة عشرة يقذفهم بالحجارة، وهم يولون أمامه كما نرى في صور التلفزة، من أولئك الذين قتلوهم وهددوهم وأرهبوهم وهم لا يملكون شيئاً من القوة الحقيقية المادية، ولكن قوة الإيمان، ومعرفة حقيقة الأعداء كفيلة بهذا.

نسأل الله عز وجل أن يقذف الرعب في قلوب اليهود، وأن يفرق شملهم، وأن يخالف كلمتهم، وأن يظهر ضعفهم، وأن يجعل بأسهم بينهم.

أقول هذا القول، وأستغفر الله العظيم لي ولكم من كل ذنب فاستغفروه، إنه هو الغفور الرحيم.