للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

[المدرسة الإباحية حقيقتها وآثارها السلبية على الفرد والمجتمع]

المدرسة الإباحية أصحابها هم الذين جعلوا همهم في اللذة الأولى، لذة كمال الجسم المادي بالطعام والشراب وإطلاق العنان للغرائز والشهوات، وهذا الجانب عند التأمل نجد أنه حينما يسير الإنسان وراءه مندفعاً بشهواته غير منضبط بشرع ولا بحكمة ولا بعقل ولا بتوسط واعتدال فإنه ينشأ عنه صورة مرذولة قبيحة، لها من الأضرار شيء كثير، ومن ذلك أننا نستطيع أن نضرب الأمثلة من واقع الحال، فنجد أن الإباحية المطلقة التي نادى بها وطبقها الغرب كم أنتجت من صور تقشعر لها الأبدان، وتجفل منها القلوب، وتشمئز منها الفطر السليمة.

فإذا نحن نرى شيوع الفاحشة من الزنا بأمر لا يخطر على العقل كثرة، ولا يخطر على العقل مما يقع معه مصاحباً للجريمة أو الاعتداء أو نحو ذلك، مما يهدد حياة الناس كما يتضح من سلسلة الآثار.

وكذلك تجاوز هذا الأمر إلى عدم الاكتفاء بالصورة التي يعرف أن النفس البشرية أصلاً مفطورة مجبولة عليها، فتعدى الأمر الفواحش إلى الشذوذ، وصار هناك -أيضاً- باب واسع من هذه الأبواب في الشذوذ المعروف، بل تجاوز الأمر ذلك إلى الانطلاق في ممارسة الفواحش مع المحارم والأبناء والبنات والأخوات والأمهات، وتجاوز الأمر كل ذلك -رغم هذه الإباحية- إلى حصول الأمر بنوع من الاعتداء والاغتصاب والجريمة، وصاحب كل ذلك نوع من الأمور التي لها آثار سيئة جداً من انتشار المسكرات والمخدرات، وانتشار الجريمة بكل صورها إلى القتل في أعظم صوره.

كل هذا صورة ظاهرة لهذه المدرسة الإباحية، وتجد الإحصاءات والأرقام شيئاً عجيباً جداً.

فعلى سبيل المثال: من الإحصاءات -وليست جديدة- في أوائل الثمانينات في أمريكا ما بين اثني عشر إلى خمسة عشر مليوناً يمارسون الجنس مع المحارم، وهناك نحو سبعة عشر من المائة من المواطنين الأمريكيين يمارسون الشذوذ.

وهناك أعداد كبيرة لا حصر لها تمارس الفاحشة والزنا والحرام؛ لأنه ليس عندهم بمحرم، إضافة إلى ذلك تجد مثلاً بلداً مثل السويد -وهو من أعظم الدول إباحية- تصل فيه النسب إلى شيء مهول، نتج عن ذلك آثار كثيرة جداً يهمنا منها بعض الآثار المهمة، وهي إطفاء نور القلب، وطمس معالم الفطرة السوية، فهؤلاء القوم ليس عندهم فرق بين عيب، ولا عندهم في قاموسهم العيب ولا الحياء، فضلاً عن الكراهة أو الحرمة، كل ذلك زال، والنفس البشرية من فطرتها ما ذكره الله سبحانه وتعال: {وَطَفِقَا يَخْصِفَانِ عَلَيْهِمَا مِنْ وَرَقِ الْجَنَّةِ} [طه:١٢١]، فطرة الإنسان أن يستر عورته فضلاً عن أن ينطلق في هذه الميادين البهيمية.

هذا كله كان متجرداً في هذه المجتمعات، فحصل هذا الأثر الأول، وهو انطماس الفطرة السليمة، وانعدام كل معالم القيم التي تقرها الفطر والعقول فضلاً عن الديانات أو الأنظمة التي وضعها حتى البشر من ذات أنفسهم.

وهذا جانب واضح آثاره المادية كثيرة جداً، ومنها انهيار شديد جداً في البناء الأسري، وعزوف كبير جداً عن الزواج، وملايين من الأطفال من اللقطاء.

ومن الآثار المادية التي تترتب على هذا أن اللقطاء -مثلاً- يحتاجون إلى أموال ومؤسسات ودور وجوانب أخرى كالأمن وغير ذلك.

أضف إلى ذلك الآثار الصحية المعروفة، من انتشار الأمراض المهلكة والأوجاع التي أخبر النبي عليه الصلاة والسلام أنها لم تكن في أسلافهم، وهذا كله شاهده آية واحدة في القرآن، تبين لنا بياناً شافياً كل الآثار التي يقع فيها الناس عندما يتنكبون طريق الله سبحانه وتعال، وهي قوله عز وجل: {وَمَنْ أَعْرَضَ عَنْ ذِكْرِي فَإِنَّ لَهُ مَعِيشَةً ضَنكًا} [طه:١٢٤]، وهذا التعبير القرآني قوي وأصيل وبليغ، معيشة ضنك، والضنك هو ضيق في النفس، وضيق في المال، وضيق في الصحة، أمر لا يفارق الإنسان، يصاحبه في كل لحظة من لحظات حياته.

ولو تصور الناس ما يدعو به بعض الناس في مجتمعات المسلمين أن هذا هو الذي يحقق سعادة النفوس، ويحقق للناس انفتاحاً وانعتاقاً مما يسمونه كبتاً أو عوائق لكان أجدر الناس بأن يحصلوا على هذه اللذات المتوهمة وهذه الخيرات المفتعلة هم هؤلاء القوم، ولكنا نجد أنهم في شقاء نفسي معنوي ظاهر، يظهر في انتحارهم ويظهر في اعتدائهم، ويظهر في أقوالهم التي تبين حيرتهم المطلقة، رغم أن كل أسباب المادة من طعام وشراب وجنس ونحو ذلك ما تركوا منه شيئاً إلا وأخذوا بأوفى وأعلى حظ منه، ومع ذلك ما يزيدهم الأخذ في هذا الشأن إلا زيادة في ضنك العيش مرة بعد مرة، وهذا شاهده قول الله سبحانه وتعالى: {وَمَنْ أَعْرَضَ عَنْ ذِكْرِي فَإِنَّ لَهُ مَعِيشَةً ضَنكًا} [طه:١٢٤]، لا يتخلف هذا الأمر وإن اختلفت صوره أو ألوانه.

هذا ما يتعلق بإيجاز بالنسبة للمدرسة الإباحية.