للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

[أين الخلل]

أيها الإخوة المؤمنون! في مثل هذه الأيام من كل عام يدور بالخواطر والعقول، ويجيش في المشاعر والنفوس، ويتغير إلى حد ما في واقع الأحوال والأعمال شيء في واقعنا العام، وفي حال كل فرد منا، فنحن مع هذا الموسم العظيم، والفريضة الجليلة، والأيام المباركة، والعبادات الصالحة، نعزم عزائم وننوي نوايا ونجدد عهوداً، ونحدث في عقولنا ونفوسنا صوراً مشرقة وضيئة لصفحات قادمة جديدة، ولا أظن أحداً منا لن يمر به مثل ذلك، سواء من حج وعظم أمله في مغفرة ذنوبه، وبداية صفحة جديدة، أو من لمن يحج واغتنم ذلك الموسم العظيم، والعشر الفاضلة، بصيام وقيام وذكر وإنفاق وطاعة وأضحية وتقرب إلى الله عز وجل.

لكن السؤال هنا: كم من همة علت ثم سفلت؟ وكم من عزيمة أبرمت ثم نقضت؟ وكم من صحيفة جديدة فتحت ثم أغلقت؟ ما القصة إذاً؟! هل نحن نكذب؟! وعلى من نكذب؟! هل نكذب على أنفسنا؟! فمثل هذا غباء، أم نكذب على الخلق؟! فإن هذا هو عين الرياء، أم نكذب -عياذاً بالله- على الله؟! فإن هذا هو محض الافتراء.

ما القصة إذاً؟! لا أظن أحداً عندما عزم تلك العزائم ونوى تلك النوايا كان كاذباً، بل كان في أعظم لحظات صدقه، وأصفى لحظات تجرده، وأصدق لحظات إخلاصه، ما الأمر إذاً؟! هل نحن جاهلون لا نعرف وجوب الفرائض أو لا نعرف حرمة المنكرات؟! هل نحن لا نعرف فضيلة الأعمال في الصفوف الأولى أو في الصلوات أو في الإنفاق والزكوات! هل منا أحد يجهل هذه الأصول العامة التي تحرك إيمان القلوب، وتبعث همم النفوس، وتمضي الأعمال في واقع الحياة؟ أظن أن أكثرنا -إن لم يكن كلنا- لا يجهل مثل ذلك، فأين المكمن والخطر؟ وأين الداء والمرض؟ وما بالنا نمضي ثم نتوقف؟ ونتقدم ثم نقهقر؟ سؤال أعتقد أنه الآن وضح في أذهانكم، وتشوقنا جميعاً إلى أن نبحث عن إجابته، وإلى أن نعرف العلة، وهنا سنعرف الأمر، والفرق بين العزائم والهزائم.

كيف تمضي العزائم إلى آفاقها السامية، وإلى ذراها العالية، ولا تعود هزائم تضعف بها الهمم، ويتضعضع بها اليقين، وتزوي بها شمعة الإيمان في القلوب.

هنا أمر مهم، وهنا مكمن خطر عظيم، أحسب أنه بالنسبة لنا هو الداء الدوي، ومكمن والخطر الخفي، إنه ضعف العزيمة والإرادة، إنه الكسل والخور والعجز، إنه الاستسلام للضعف والراحة والدعة، إنه الركون إلى الدنيا والاغترار والانشغال بها، إنه قطعاً ليس جهلاً؛ فنحن بحمد الله نعرف الأحكام الأساسية، من واجبات ومحرمات ومن فضائل الأعمال وما يقابلها من رذائل المنكرات، إذن فهنا وقفتنا المهمة بين العزائم والهزائم.