للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

[كل وسيلة وسبب هي بقضاء الله عز وجل وقدره]

يعلمنا الله سبحانه وتعالى أن كل وسيلة وسبب بتقدير الله عز وجل، فإذا تعلق العبد بالأسباب على أنها مؤثرة بنفسها ونسي رب الأرباب ومسبب الأسباب لم يقع له قصده، ولم يحقق مراده؛ لأن الله سبحانه وتعالى قد قال -كما في الحديث القدسي الشريف-: (أنا أغنى الشركاء عن الشرك، من عمل عملاً أشرك معي فيه غيري تركته وشركه) وقال سبحانه وتعالى: {قُلِ ادْعُوا الَّذِينَ زَعَمْتُمْ مِنْ دُونِهِ فَلا يَمْلِكُونَ كَشْفَ الضُّرِّ عَنكُمْ وَلا تَحْوِيلًا} [الإسراء:٥٦]، فاذهبوا إلى شرق الأرض وغربها، والتمسوا النصرة من أعداء الله عز وجل كافرين مشَرِّقين أو مغَرِّبين فإنهم لا يملكون كشف الضر عنكم ولا تحويلاً، فلن يتغير حالكم ما لم تغيروا حالكم مع الله، ولن يتغير وضعكم ما لم تعودوا وتئوبوا إلى الله، قال عز وجل: {قُلِ ادْعُوا الَّذِينَ زَعَمْتُمْ مِنْ دُونِهِ فَلا يَمْلِكُونَ كَشْفَ الضُّرِّ عَنكُمْ وَلا تَحْوِيلًا} [الإسراء:٥٦].

وقد قص الله عز وجل أنباء الأمم من قبلنا وبين لنا أحوالهم في مثل هذه الأمور التي تتكرر عبر الأيام والدهور، كما قال عز وجل: {وَلَقَدْ أَرْسَلْنَا إِلَى أُمَمٍ مِنْ قَبْلِكَ فَأَخَذْنَاهُمْ بِالْبَأْسَاءِ وَالضَّرَّاءِ لَعَلَّهُمْ يَتَضَرَّعُونَ * فَلَوْلا إِذْ جَاءَهُمْ بَأْسُنَا تَضَرَّعُوا وَلَكِنْ قَسَتْ قُلُوبُهُمْ وَزَيَّنَ لَهُمُ الشَّيْطَانُ مَا كَانُوا يَعْمَلُونَ} [الأنعام:٤٢ - ٤٣]، ألم نر في أحوال الأمة ما يصدق هذا الحال؟ فقد نزل بهم البلاء ليلتجئوا إلى الله عز وجل فزادوا إعراضاً، وغرهم الشيطان فارتموا في أحضانه، وتفرقوا في سبله، وركبوا مناهجه، وساروا في طرائقه إعراضاً عن الله سبحانه وتعالى، كما قال عز وجل: {وَمَا أَرْسَلْنَا فِي قَرْيَةٍ مِنْ نَبِيٍّ إِلَّا أَخَذْنَا أَهْلَهَا بِالْبَأْسَاءِ وَالضَّرَّاءِ لَعَلَّهُمْ يَضَّرَّعُونَ * ثُمَّ بَدَّلْنَا مَكَانَ السَّيِّئَةِ الْحَسَنَةَ حَتَّى عَفَوا وَقَالُوا قَدْ مَسَّ آبَاءَنَا الضَّرَّاءُ وَالسَّرَّاءُ فَأَخَذْنَاهُمْ بَغْتَةً وَهُمْ لا يَشْعُرُونَ} [الأعراف:٩٤ - ٩٥].

إن أحوال الأمة اليوم في أفرادها وفي بعض بيئاتها ومجتمعاتها تعتبر أي نعمة من نعم الله سبحانه وتعالى منطوية في ثنايا تلك المحن وفي صور تلك النقم؛ لأن الأمة قد شردت بعيداً عن منهج الله، وغفلت كثيراً عن تذكر الله، فساق الله عز وجل لها هذه الأقدار، وقدر عليها هذه البلايا؛ حتى تئوب إلى رشدها، وترجع إلى ربها، وترتبط بخالقها، وذلك في أحوال الفرد وأحوال الأمة.