للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

[وجوب استمرار الصلة بالله عز وجل]

أخي الكريم! أوصيك ونفسي الخاطئة بتقوى الله؛ فإن تقوى الله أعظم زاد يقدم به العبد على مولاه، وإن من أعظم التقوى ملازمتها والثبات عليها في حال السراء والضراء، كما في قول النبي صلى الله عليه وسلم في وصيته لـ معاذ: (اتق الله حيثما كنت، وأتبع السيئة الحسنة تمحها، وخالق الناس بخلق حسن)، فينبغي أن نبقى على الصلة بالله، وعلى الطاعة لله، وعلى ابتغاء رضوان الله، حتى إذا جاءتنا المحن ومرت بنا الفتن ينبغي أن تزداد صلتنا بالله، لا أن تخرجنا هذه الفتن أو تلك المحن عن منهج الله سبحانه وتعالى، فنلتمس النجاة بعيداً عن طاعة الله، فإن ذلك أمر لا يمكن أن يأتي بالنجاة، كما قال الشاعر: تبغي النجاة ولم تسلك مسالكها إن السفينة لا تجري على اليبس فمن أخذ طريقاً غير طريق الله فإن مغبته ونهايته في الدنيا قبل الآخرة سيئة، وإن آخرته -والعياذ بالله- شر من دنياه؛ لأنه نسي خالقه وربه ومولاه الذي قدر عليه البلاء ليدفعه إلى صدق الالتجاء ويوجهه إلى إخلاص الدعاء حتى يفرج عنه كربه ويزيل غمه ويوسع رزقه ويرفع عنه مرضه، فإنه سبحانه وتعالى بيده الضر والنفع، وبيده العطاء والمنع، فينبغي أن نوقن بذلك حقيقة، وأن تتعلق به القلوب صدقاً، وأن يمارس في واقع الحياة سلوكاً.

نقول ذلك لأن كثيراً من الأسباب المادية قد قضت حكمة الله عز وجل أن تعطل أو تكون ضعيفة هزيلة حتى تعود الأمة عودة صادقة إلى الله سبحانه وتعالى.

فلنتذكر في أحوالنا الفردية ماذا نصنع إذا مرت بنا ضائقة مالية، أو حلت بنا مشكلة مرضية، أو وقعت لنا مشكلة نفسية، فهل نلجأ إلى الله سبحانه وتعالى أو لا؟ وهل نؤخذ بالأسباب؟ وهل نحن نوقن أننا نبتغي بهذه الأسباب فعل ما يرضي الله سبحانه وتعالى، ونرجو منه جل وعلا أن يجعل للأسباب تأثيرها؟ فهل نحن عن ذلك غافلون أم له متذكرون وبه عاملون؟ إن كثيراً من أحوالنا التي تمر بنا تشهد أننا غافلون، فكم يمر بنا كثير من ذلك، ونسمع كثيراً من الأقاويل، ونرى كثيراً من الأفعال، ويروج ذلك ربما في بعض الصور الإعلامية ونحن في غفلة، وإذا سئل أحدنا قال: إنه لم يكن إمامي طريق إلا هذا، ولم أجد سبيلاً إلا فعل هذا، فكيف يمكن أن أحل هذه المشكلة؟ وكيف يمكن أن أبعد هذه الضائقة؟! ونحن قد أشرنا من قبل إلى إن ارتكاب الحرام إن فرج هماً أو وسع ضائقة فذلك ظاهر، ولكن يبقى بعد ذلك في القلب سواد وظلمة، ويبقى في الصدر ضيق وحشرجة، ويبقى في النفس قلق واضطراب، ويبقى في الفكر تشويش وتضليل، ويبقى من بعد ذلك خاتمة سيئة، نسأل الله عز وجل السلامة.

فالالتجاء إلى الله سبحانه وتعالى هو قدر هذه الأمة يسوقها الله سبحانه وتعالى إليه، نقول هذا لإخواننا المسلمين في البوسنة والهرسك، وفي الشيشان، وفي فلسطين، وفي كشمير، وفي غيرها من البقاع؛ فإنهم قد انقطعت بهم السبل، وتخلى عنهم العالم شرقه وغربه، وتنكرت لهم مواثيق العدل الزائفة، وتخلت عنهم أنظمة العالم الجائرة، ومع ذلك كان ذلك فيه خير لهم، فليلتجئوا إلى ربهم، وليعلموا أنه إن سدت أبواب الأرض فقد فتحت أبواب السماء، وإن تخلى أهل الأرض فإن الله سبحانه وتعالى قد وعد بالنصر لمن نصره، كما قال عز وجل: {إِنْ تَنصُرُوا اللَّهَ يَنصُرْكُمْ وَيُثَبِّتْ أَقْدَامَكُمْ} [محمد:٧].

إن إخواننا في فلسطين وهم يواجهون ظلم اليهود وإجرامهم وتعديهم على أراضيهم وانتهاكهم لأعراضهم، وما يعانيه إخواننا في البوسنة والهرسك من معتقلات واعتقالات وقتل وتشريد، وانتهاك أعراض وغير ذلك من الفظائع والمصاعب الكبرى إنما ذلك سوق للمسلمين ليلتجئوا إلى الله سبحانه وتعالى، ويتضرعوا إليه، ويخبتوا إليه، ويعودوا إلى حسن الصلة به، وإلى تمام الاستقامة على منهجه، ولعل ما يحصل في العالم اليوم على مستوى الأمة الإسلامية هو نوع من المخاض والابتلاء الشديد الذي تدرك فيه الحقائق واضحة، وتتجلى أمامها الموازين على حقيقتها من غير زيف ولا بهرج حتى توقن بالحق الذي علمها الله إياه، والآيات التي جعلها الله عز وجل قرآناً يتلى إلى قيام الساعة، فغفلنا عنها، وضيعتها الأمة في واقع حياتها، لعل هذه الأحداث تكون سائقة لجميع الأمة الإسلامية أفراداً ومجتمعات ودولاً وأمماً إلى الله سبحانه وتعالى.

أدعوك يا رب مضطراً على ثقة بما وعدت كما المضطر يدعوك أدرك بعفوك عبداً لم يزل أبداً في كل حال من الأحوال يرجوك فإخواننا في تلك البلاد عجزنا نحن وعجز غيرنا عن نصرتهم، وتخاذل عنهم الأعداء الحقيقيون المدعون للعدالة المزيفون للحقائق، فهنا لجئوا إلى الله سبحانه وتعالى فأنزل عليهم فرجاً من عنده، وربما كان هذا الفرج غير ظاهر، لكنه في حقيقته حاصل، ولو تأملت في واقعهم وفي حالهم وفيما انتهت إليه أحوالهم لرأيت في ذلك خيراً كثيراً، فقد ملئوا المساجد، وتحجبت النساء، وكثر الدعاء، وصدقوا الإخلاص لله عز وجل، ولكن لكل أمر ثمن، ولكل قدر حكمة، فينبغي أن نؤمن بقضاء الله وقدره، وأن نثق بقوة الله ونصره، وأن نكون على يقين أن العاقبة للمتقين، ينبغي أن نوقن بذلك، وأن يكون ذلك ظاهراً في تصرفاتنا؛ لأننا نرى كثيراً من الناس كلما مرت بهم مشكلات عادية من مشكلات الحياة اليومية تصرفوا تصرفات لا يمكن أن تكون هي التصرفات الإسلامية المطلوبة، والمطلوب من المسلمين جميعاً -خاصة عند الأزمات- أن يجعلوا أملهم في الله تعالى، وأن يصدقوا ربهم لأن يلتجئوا إليه، وأن يتقربوا إليه بأنواع القربات، كقيام الليل، والصدقة، والدعاء، وصلة الرحم، والإكثار من نوافل الصوم خاصة الأيام الفاضلة كيوم عرفة الذي يكفر الله تعالى بصيامه سنة ماضية وسنة لاحقة، وكذلك صيام شهر الله المحرم، ففي الحديث عن النبي صلى الله عليه وسلم -كما في صحيح مسلم:- (أفضل الصيام بعد رمضان صيام شهر الله المحرم، وأفضل الصلاة بعد الفريضة صلاة الليل)، فهذا الشهر فيه من الفضائل والأعمال الفاضلة الخير الكثير، ففيه الصيام، وفيه صيام تاسوعاء وعاشوراء أو ما بعده، فإن النبي صلى الله عليه وسلم قد ثبت عنه أنه لما قدم المدينة وجد اليهود يصومون يوم عاشوراء، فلما سأل عن ذلك قالوا: يوم نجا فيه الله عز وجل موسى عليه السلام.

فقال النبي صلى الله عليه وسلم (نحن أحق بموسى منهم، خالفوا اليهود صوموا يوماً قبله ويوماً بعده) وفي رواية: (صوموا يوماً قبله أو يوماً بعده)، فالكمال صيام التاسع والعاشر والحادي عشر، والوسط صيام العاشر وقبله يوم أو بعده يوم، ولو أفرد العاشر لعذر أو لحاجة فإنه لا حرج في ذلك، لكنه يكون قد خالف السنة، فإن كان ذلك لاضطرار فلا حرج إن شاء الله تعالى.

نسأل الله عز وجل أن يوفقنا للصالحات، وأن يجعلنا من المسارعين إلى الخيرات والمسابقين إلى جنة عرضها الأرض والسموات.

اللهم! إنا نسألك أن تردنا إلى دينك رداً جميلاً.

اللهم! خذ بنواصينا إلى طريق الحق والسداد، وألهمنا الرشد والصواب، ووفقنا لما تحب وترضى.

اللهم! اهدنا، واهد بنا، واجعلنا هداة مهديين.

اللهم! أصلح لنا ديننا الذي هو عصمة أمرنا، وأصلح لنا دنيانا التي فيها معاشنا، وأصلح لنا آخرتنا التي إليها معادنا، واجعل الحياة زيادة لنا في كل خير، واجعل الموت راحة لنا من كل شر برحمتك يا أرحم الراحمين.

اللهم! تول أمرنا، وارحم ضعفنا، واجبر كسرنا، واغفر ذنبنا، وبلغنا فيما يرضيك آمالنا.

اللهم! اجعل خير أعمالنا خواتيمها، وخير أيامنا يوم نلقاك وأنت راضٍ عنا.

اللهم! ثبت لنا على طريق الحق الأقدام، وأحسن بالصالحات الختام برحمتك يا أرحم الراحمين.

اللهم! أعز الإسلام والمسلمين، وأذل الشرك والمشركين، وارفع بفضلك كلمة الحق والدين، ونكس رايات الكفرة والملحدين.

اللهم! من أرادنا وأراد الإسلام والمسلمين بسوء فاجعل دائرة السوء عليه، واجعل تدبيره تدميراً عليه يا سميع الدعاء، ومن أرادنا وأراد المسلمين بخير فوفقه لكل خير يا رب العالمين.

اللهم! عليك بسائر أعداء الدين فإنهم لا يعجزونك.

اللهم! رد كيدهم في نحورهم، واجعل بأسهم بينهم، ودمر قوتهم وخالف كلمتهم، واستأصل شأفتهم.

اللهم! لا ترفع لهم راية، واجعلهم لمن خلفهم آية، يا قوي يا عزيز يا منتقم يا جبار.

اللهم! أنزل بهم بأسك الذي لا يرد عن القوم المجرمين، يا قوي يا عزيز يا متين.

اللهم! إنا نسألك رحمتك ولطفك بعبادك المؤمنين المضطهدين والمعذبين، والمشردين والمبعدين، والأسرى والمسجونين، والثكالى واليتامى في كل مكان يا رب العالمين.

اللهم! إنهم حفاة فاحملهم، عراة فاكسهم، جائعون فأطعمهم، خائفون فأمنهم، مشردون فأسكنهم.

اللهم! امسح عبرتهم، وسكن لوعتهم، اللهم! عجل لهم فرجهم، وفرج همهم، ونفس كربهم، وقرب نصرهم، وادحر عدوهم يا رب العالمين.

اللهم! اجعل ما قضيت عليهم زيادة لهم في الإيمان واليقين، ولا تجعله فتنة لهم في الدين برحمتك يا ارحم الراحمين.

اللهم! اجعل هذا البلد آمناً مطمئناً رخاءً وسائر بلاد المسلمين.

اللهم! أصلح أئمتنا وولاة أمورنا، واجعل ولايتنا فيمن خافك واتقاك واتبع رضاك يا رب العالمين.

اللهم! اجعل عمل ولاتنا في هداك، ووفقهم لرضاك، وارزقهم بطانة صالحة تحضهم على الخير وتحثهم عليه، وتمنعهم عن المنكر وتردعهم عنه يا رب العالمين.

اللهم! إنا نسألك أن توفقنا لما تحب وترضى يا رب العالمين.

والحمد لله رب العالمين، وصلى الله وسلم على سيدنا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين.