للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

[واقع المسلمين مع كتاب ربهم وسنة نبيهم صلى الله عليه وسلم]

هذه آيات الله عز وجل وكلامه، وهذه أحاديث رسولنا صلى الله عليه وسلم وسنته، وهذه المقاصد الواضحة الجلية، والعلل النصية الشرعية؛ أفيترك ذلك كله لألاعيب السياسة، أو لأضاليل الإعلام، أو لمتطلبات الاقتصاد أو لغير ذلك؟! لو تأملنا اليوم واقعنا فأي شيء نرى في تميز الأمة على المستوى العام في جانب السياسة؟! قضية السلام تقول لنا: كونوا كغيركم لا فرق بينكم وبينهم، بل غيروا كلمات ألسنتكم، وعدلوا مناهج دراستكم، وأصلحوا وسائل إعلامكم؛ حتى لا يكون هناك كلمة واحدة، بل ولا مصطلح واحد يؤذي القوم في مشاعرهم، أو يثير -كما يدعون- العنصرية والحزبية ونحو ذلك، وأي شيء يفعله اليهود الغاصبون المعتدون؟ تقوم الدنيا وتقعد، وتفتح المحاكم وتغلق، والعمل سائر كأن لا شيء في هذه الدنيا؛ لأن القوم يعملون ولا يتكلمون، ولأنهم يحسنون الظلم والعدوان ولا يعرفون معاني حقوق الإنسان، وإذا تأملت فإنك تجد مفارقة عظيمة بين ما يقوله أرباب السياسة من العرب والمسلمين في كلام يتبرءون منه من كل مقاومة، ويبرءون إلى الله عز وجل من كل مخالفة، ويتزلفون ويتقربون بكل موافقة، ويعطونهم كل تنازل ومداهنة، وأما أعداؤهم فلا تسمع منهم إلا مفاصلة، ولا ترى منهم إلا مقاطعة، وهم يعلنون صباح مساء كل ما هو من أصل دينهم، ومن طبيعة حقائق نفوسهم، ومن مصالحهم العليا التي يحرصون عليها ولا يفرطون فيها.

أين تميز الأمة المسلمة اليوم في هذا الميدان المهم؟! ولو أردنا أن نفيض لرأينا من السنة في مواقف النبي عليه الصلاة والسلام، وفي مواقف الصحابة في كل المراحل وعبر تاريخنا، ما يدل على أن الأمة المسلمة لم تكن يوماً تعطي الدنية في دينها، ولا تبيع دينها لتشتري به ثمناً قليلاً، فتوافق من حذرها الله سبحانه وتعالى من سلوك طريقهم، وهم اليهود عليهم لعائن الله، الذين اشتروا بدين الله ثمناً قليلاً؛ وباعوا آياته لتحقيق مآربهم وشهواتهم وتسلطهم على الخلق والعباد أجمعين.

وإذا جئت إلى ميدان الإعلام وما أدراك ما الإعلام! وهذه الفضائيات المتكاثرة تكاثر الجراثيم والبكتريا، أي شيء تبث علينا؟ هل تريدنا أن نكون أتباع محمد صلى الله عليه وسلم؟! هل تذكرنا بـ أبي بكر وعمر وعثمان وعلي؟! هل تبرز لنا القدوات في مصعب وخالد والمثنى والمقداد؟ ماذا تصنع بنا؟ تأتينا بمسخ من فرنسا، وتأتينا بقبح من بريطانيا، وتأتينا بعهر من أمريكا، ثم تبثه علينا، تريد أن تقول لنا: كونوا كهؤلاء، وصيروا مثلهم، أليس هذا درب واضح من دروب التشبه والموافقة والتشهير والإعلان والإذاعة والإشاعة لتلك الأخلاقيات والعادات والرذائل الاجتماعية عند القوم؟ كيف يجتمع شباب وشابات تحت سقف واحد أياماً وليالي، آكلين شاربين، مع الضحكات والعناقات والقبلات وغير ذلك؟ ثم يزعم أولئك أنهم عرب وأنهم مسلمون، وينفقون أموالاً من أموال المسلمين ومن كسبهم وهم من أهل العروبة والإسلام، نسأل الله عز وجل أن يهديهم وأن يكفينا شرهم.

أي عقل هذا؟ أي فعل هذا؟ {يُخْرِبُونَ بُيُوتَهُمْ بِأَيْدِيهِمْ وَأَيْدِي الْمُؤْمِنِينَ} [الحشر:٢] كأننا عدنا إلى حال اليهود نحن اليوم، بهذا الفعل نخرب أخلاقاً، وندمر عادات وأعرافاً، ونخترق حقائق الإيمان وثوابت الاعتقاد، ونذيب معالم الفضيلة والحشمة والحياء، بماذا؟ باختيارنا؟! نعم، بأموالنا؟! نعم، وللأسف بتشبهنا واقتدائنا بغيرنا، حتى في الفسق والفجور لم يكن عندهم قدرة أن يكونوا فاسقين إلا على سنن أسيادهم وقدواتهم من أولئك القوم شرقاً وغرباً.

ولو جئت في ميادين أخرى لوجدت الأمر كذلك، انظر إلى أحوال الاقتصاد في بلاد الإسلام، والربا ضارب أطنابه في جل بقاعها، والمعاملات المحرمة من القمار الذي يذاع على تلك الشاشات الفضية، والمسابقات المتضمنة للرهان والقمار والمحرمات، أصبحنا كأن لا فرق بيننا وبين شرق ولا غرب، ولا يهود ولا نصارى، ولا مشركين ولا مجوس، أي شيء يريد هذا الإعلام وهذا الاقتصاد أن يجرنا إليه؟! أين أمة محمد صلى الله عليه وسلم؟ أين أمة القرآن الكريم؟ أين أمة السنة المطهرة؟ أين أمة السلف الصالحين؟ أين أمة الأخلاق والفضائل؟ أين أمة المبادئ والعقائد؟ حري بنا أيها المسلمون أن ندرك الخطر وأن نجتنبه، وأن نحذر منه وأن نحذر غيرنا.

نسأل الله سبحانه وتعالى أن يقينا الشرور والآثار والمفاسد العظام، وأن يمن علينا بالتشبث بنعمة وشريعة الإسلام، إنه ولي ذلك والقادر عليه.

أقول هذا القول وأستغفر الله العظيم لي ولكم من كل ذنب، فاستغفروه إنه هو الغفور الرحيم.