للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

[وصايا أثناء أداء فريضة الحج]

فينبغي أن نوصي أنفسنا أيضاً، وأن يتواصى الحجاج بأمور كثيرة في أثناء الحج، منها: أولاً: الحرص الشديد على استغلال الأوقات في الطاعات بالذكر والاستغفار أو الصدقة، أو إعانة الحجاج أو خدمتهم أو نحو ذلك، وينبغي ألا تكون الأيام أيام كلام ولغو باطل، أو أيام نوم وكسل؛ فإنها أيام مباركة وأيام موسم طاعة ومغفرة، فينبغي أن يغتنمها العبد ما استطاع إلى ذلك سبيلاً.

ثانياً: ترك المنكرات، فإن المنكرات في مثل هذه الأماكن وفي مثل هذه الأزمنة وفي مثل هذه الشعائر تكون أقبح ما يكون من العبد المؤمن، فكم ترى قبح الشتم واللعن الذي تراه من بعض الحجاج أو من بعض الموجودين في المناسك، وكم يكون قبح الآثام التي يرتكبها بعض الناس ولو عدوها من المكروهات، كالدخان أو الشيشة أو بعض ما يفعلونه ويرونه ويسمعونه ويمارسونه من أمور فيها نوع من المخالفة لأمر الله عز وجل.

ثالثاً: ينبغي أن يتذكر الجميع الحرص على أداء الفريضة على وفق سنة النبي صلى الله عليه وسلم ما استطاع المرء إلى ذلك سبيلاً، ويأخذ الأهم فالأهم، فإن العزائم مطلوبة بإذن الله عز وجل والرخصة إنما هي للعذر؛ لأن بعض الناس يحب أن يأخذ الرخص، أو أن يجمع الرخص من كل المذاهب، ومن ترخص -أي: جمع رخص كل مذهب- فقد تزندق، كما قال بعض أهل العلم.

ينبغي أن يكون في أمر عبادته جاداً آخذاًَ بالعزائم، فهذه عبادة وطاعة لله، فهذا أمر يطلع عليك فيه الله، وهذا أمر تقدمه لله، فهل إذا أردت أن تقدم لرئيسك في العمل أو لوالدك، أو لنحو ذلك، هل تقدم له مختصراً لما تقدم أو مجتزئاً له أو مسرعاً فيه؟! إنك تحرص على الإتقان والإكمال، فأولى بنا أن نكمل أعمالنا التي نتقدم بها؛ لنيل رضوان الله عز وجل، ولإثبات عبوديتنا لله سبحانه وتعالى.

والأمر الأخير: ينبغي أن يتواصى المسلمون بالتراحم فيما بينهم وترك التزاحم، فينبغي أن يكون المؤمن رءوفاً بإخوانه المسلمين، حريصاً على مصلحتهم، مقدماً لهم الخير، فإن الحج صورة تبرز الأمة الإسلامية بكل محاسنها ومساوئ أهلها عندما لا يكونون متبعين لأمر الله وأمر رسوله عليه الصلاة والسلام، فإذا رأينا اختلافاً وتنازعاً وشحناء وبغضاء وتفرقاً، فإن هذه هي أدواء الأمة التي تظهر في صفوة من أبنائها عندما يجتمعون في مكان واحد، فينبغي لنا أن نحرص على إبداء روح الأخوة والتآلف، وأن نحرص بالذات على أهل الإسلام من الديار النائية البعيدة، أن نشعرهم بأننا وإياهم أمة واحدة، وأن نرى المسلم القادم من الصين أو من أدغال أفريقيا أو من أقاصي الشرق أو الغرب، فنسلم عليه ونعتنقه ونذكر له ما يعرف من كلمات الإسلام ليذكر وليشعر بهذه الوحدة، فإن موقف الحج موقف عظيم.

نسأل الله عز وجل أن يسهل أمور الحجاج والمعتمرين، وأن يؤمنهم، وأن يجعل حجهم سهلاً ميسوراً، وأن يجعله متقبلاً مبروراً.

ونسأل الله عز وجل أن يعين القائمين على خدمة ضيوف الرحمن، وأن يجزيهم خير الجزاء، وأن يوفق كل عامل لخدمة الإسلام والمسلمين أوفى وأجزل الجزاء، ونسأله سبحانه وتعالى أن يصرف كل أسباب العناء والشقاء أو أسباب الفتنة والخلاف عن أمة الإسلام وعن حجاج بيت الله الحرام.

اللهم إنا نسألك أن تجعلنا من عبادك الصالحين، ومن جندك المجاهدين، ومن ورثة جنة النعيم، اللهم تول أمرنا وارحم ضعفنا، واجبر كسرنا، واغفر ذنبنا، وبلغنا فيما يرضيك آمالنا.

اللهم إنا نسألك إيماناً كاملاً، ويقيناً خالصاً، ولساناً ذاكراً، وقلباً خاشعاً، وطرفاً دامعاً، وعلماً نافعاً، ورزقاً واسعاً، وتوبة قبل الموت، ومغفرة بعد الموت، برحمتك يا أرحم الراحمين! اللهم اجعل خير أعمالنا خواتمها، وخير أيامنا يوم نلقاك وأنت راضٍ عنا، اللهم اغفر ذنوبنا واستر عيوبنا واشرح صدورنا، ونور قلوبنا، وثبت على الحق أقدامنا، واختم بالصالحات أعمالنا، برحمتك يا أرحم الراحمين! اللهم أعز الإسلام والمسلمين، وارفع بفضلك كلمة الحق والدين، ونكس رايات الكفرة والملحدين، اللهم عليك بسائر أعداء الدين فإنهم لا يعجزونك، اللهم خذهم أخذ عزيز مقتدر، اللهم أحصهم عدداً، واقتلهم بدداً ولا تغادر منهم أحداً، اللهم انصر عبادك وجندك المجاهدين في كل مكان يا رب العالمين! اللهم أنزل رحمتك ولطفك بعبادك المضطهدين والمعذبين في سائر البقاع يا رب العالمين! اللهم أصلح أئمتنا وولاة أمورنا، واجعل ولايتنا فيمن خافك واتقاك واتبع رضاك يا رب العالمين! اللهم وفق ولاتنا لهداك واجعل عملهم في رضاك، اللهم اجعل هذا البلد آمناً مطمئناً رخاءً وسائر بلاد المسلمين برحمتك يا أرحم الراحمين! عباد الله! صلوا وسلموا على رسول الله، استجابة لأمر الله: {إِنَّ اللَّهَ وَمَلائِكَتَهُ يُصَلُّونَ عَلَى النَّبِيِّ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا صَلُّوا عَلَيْهِ وَسَلِّمُوا تَسْلِيمًا} [الأحزاب:٥٦]، وترضوا على الصحابة الكرام، وخصوا منهم بالذكر ذوي القدر العلي والمقام الجلي: أبا بكر وعمر وعثمان وعلي، وعلى سائر الصحابة والتابعين ومن تبعهم بإحسان إلى يوم الدين، وعنا معهم بعفوك ورحمتك يا أرحم الراحمين! وأقم الصلاة إن الصلاة تنهى عن الفحشاء والمنكر، ولذكر الله أكبر، والله يعلم ما تصنعون.