للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

[أهمية الاجتهاد والتورع لطالب العلم]

النقطة الثامنة: الاجتهاد والتورع، إذا أردت أن تقول قولاً أو تبحث أمراً أو تفتي في مسألة فلا يكونن ديدنك أن تنظر إلى عناوين هذه المسألة في بعض الكتب، أو تسمع إلى قول مفرط ومتساهل، ثم تظن أنك قد جمعت القول فيها وقتلتها بحثاً، وأنك قد جئت فيها بالقول الفصل الذي لا تقبل فيه منازعة؛ لأن الأصل في طالب العلم إذا سئل أو أراد أن يبحث شيئاً أن يجد ويجتهد ويرجع إلى المراجع، وأن يبحث في الكتب ويسأل أهل العلم، وبعد هذا كله وقبله أن يستعين بالله سبحانه وتعالى حتى يفتح له، وبعد كل هذا يقول: هذا مبلغ علمي، ويكون متورعاً غير متكبر، واستمع إلى ما ذكره البزار في الأعلام العلية في مناقب ابن تيمية: يقول ابن تيمية عن نفسه: إن كنت لأقرأ في الآية مائة تفسير، ثم أخرج إلى بعض المساجد الخالية إلى أطراف دمشق فأمرغ وجهي في التراب وأقول: اللهم يا معلم إبراهيم علمني، اللهم يا مفهم سليمان فهمني.

إذاً: ليست المسألة أن تحفظ أو تأخذ ما تيسر وتفتي دون أن تجهد نفسك وتبذل وقتك وتعمل فهمك، كان السابقون إذا قالوا قولاً في مسألة، فإنهم لا يقولونه إلا بعد استفراغ للجهد والوقت بشكل كبير، ثم بعد ذلك يقول: هذا مبلغ علمي، أو أحسبه كذلك، أو أرجو أن يكون كذلك، ولا يصادر قول غيره كما رأيت في مطوية صغيرة اطلعت عليها، فيها وصف صلاة النبي عليه الصلاة والسلام، يقول فيها كاتبها مثلاً في بعض المسائل: والنزول من الركوع إلى السجود على اليدين وسواه لا يصح، هذا غير صحيح، يا أخي! ما هذه الجرأة كأنك قد أحطت بقول السابقين واللاحقين، وعرفت الأدلة كلها واستنبطت المعاني كلها، ثم جزمت وخطّأت من سلف ومن سيأتي، هذا لا شك أنه مناقض لطلب العلم سيما فيما يحتاج إليه الشباب في أمر الدعوة.

كذلك على طالب العلم أن يهتم بجانب الإخلاص لله عز وجل والخشية له سبحانه وتعالى؛ فإن العلم بلا خشية لا فائدة منه، كذلك يجب عليه العمل بما يعلم؛ فإن العلم بلا عمل لا فائدة منه.

نادى العلم بالعمل فإن أجابه وإلا ارتحل كذلك على طالب العلم أن يتحلى بأمور كثيرة منها: عدم التكبر وازدراء الآخرين، وهذه للأسف ذميمة أرى لها انتشاراً عند بعض الشباب، ينبغي أن يحذروا منها وأن يخشوا على أنفسهم من ضررها؛ فإنها حرمان للعلم وبعد من التوفيق وذهاب للمنزلة والقبول عند الناس.

ومن حلية طالب العلم حسن أدبه مع غيره من أهل العلم، سيما عند المخالفة فلابد له من مراعاة أدب الاختلاف، ومن ذلك موقفه من خطأ غيره كما قال بعض أهل العلم: إذا بصرت بوهم لعالم فلا تفرح به للحط منه ولكن افرح به لتصحيح المسألة فقط، فإن المنصف يكاد يجزم بأنه ما من إمام إلا وله أغلاط وأوهام، لاسيما المكثرين منهم، وما يشغب بذكر المخالفات ويفرح بها للتنقص إلا متعالم يريد أن يطب زكاماً فيحدث به جذاماً، وهذا لا شك أنه لا يليق بطالب علم ولا يحسن به.

وهناك أيضاً أمور كثيرة جداً أذكر منها مقالات لبعض أهل العلم قال بعضهم: العلم ثلاثة أشبار: من دخل في الشبر الأول تكبر، ومن دخل في الشبر الثاني تواضع؛ لأنه عرف حقيقة العلم، ومن دخل في الشبر الثالث علم أنه ليس بعالم؛ لأن العلم بحر واسع.

فلذلك لا تكن من أهل الشبر الأول الذي يدخل من الباب فيفرح بما يرى ويزدهي ويتكبر ويتعمم، وكما قيل: تفقهوا قبل أن تسودوا فإذا سدتم قبل أن تفقهوا فاتكم خير كثير، ولذلك لابد من الحذر من التصدر قبل التأهل، وكذلك لابد من مراعاة كل ما يتعلق بذلك الأدب، ومنه أمانة النقل ونسبة الأقوال إلى قائليها.