للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

[قلة السالكين منهج الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر]

مسألة ثالثة أيها الإخوة! وهي مسألة الإنكار، أين هو الأمر بالمعروف؟ أين هو النهي عن المنكر؟ تفكر في نفسك ارجع قليلاً إلى الوراء لمدة أسبوع أو شهر، تذكر كم مرة نطق لسانك بأمر بمعروف أو نهي عن منكر! تذكر كم انقبض صدرك واهتم واغتم قلبك لمنكر رأيته! تذكر كم استطعت أن تقوم بشيء من تغيير المنكر بيدك فيما تستطيعه وتقدر عليه ولا يترتب عليه ضرر! وإذا فعلت ذلك فانظر إلى دائرة من حولك وتأمل: هل وقع شيء من ذلك؟ إن الأمور تنحسر شيئاً فشيئاً، فلا نكاد نسمع لساناً ناطقاً بمعروف أو ناهياً عن منكر، ولا نكاد نرى وجهاً متمعراً لما يرى من صور الفساد وارتكاب المنكرات، ومثل هذا خطره عظيم، وضرره كبير، وأذكر من ذلك أموراً خطيرة مهمة؛ لأن هذه هي الدوائر التي تصلنا بها الآثار السلبية، قالوا: معذرة إلى ربكم، لماذا لا تنكر؟ فيجيب: من يسمع لي؟ وهل سيتغير الواقع؟ وهل تظن أن كلمة مني ستغير هذا الفساد؟ إذاً: فلنبق كلنا كالشياطين الخرس لا تنطق بكلمة حق، لا في حال من أحوال اليسر أو العسر، {قَالُوا مَعْذِرَةً إِلَى رَبِّكُمْ وَلَعَلَّهُمْ يَتَّقُونَ} [الأعراف:١٦٤].

سيسألك الله وسيسألني وسيسأل كل أحد: ماذا فعلت في تلك المنكرات؟ ستقول: لا فائدة، الواجب عليك: (فليغيره) الواجب عليك: {وَالْمُؤْمِنُونَ وَالْمُؤْمِنَاتُ بَعْضُهُمْ أَوْلِيَاءُ بَعْضٍ يَأْمُرُونَ بِالْمَعْرُوفِ وَيَنْهَوْنَ عَنِ الْمُنكَرِ} [التوبة:٧١].

ذلك واجبك قم به معذرة لله عز وجل، وتأمل، فإنه من الممكن أن تقع الكلمة موقعها، وأن تؤثر في نفس سامعها وقلبه، وما يدريك فإن القلوب بين إصبعين من أصابع الرحمن يقلبها كيف يشاء، ورب طاغية مجرم أو ظالم معتد أو فاسق فاجر تردعه وترده إلى الحق والهدى والصواب كلمة، فلا تحتقرن شيئاً تقوله لوجه الله، وتتحرك فيه غيرة على دين الله، وتؤدي فيه واجب الله، وتقتدي فيه برسول الله صلى الله عليه وسلم، فإن أثر ذلك يكون عظيماً بإذن الله عز وجل ولنتصور أن كلاً منا نطق بمعروف ونهى عن منكر، فكم من منكر سيزول بسبب من يقول لصاحبه: قف! وانتبه! واحذر! وخف الله عز وجل! ولو أن كل واحد سكت لما سمعنا شيئاً من ذلك، تأمل هذا المعنى فإن التقصير والتفريط فيه عظيم وكثير للأسف الشديد.