للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

[موقف أنس بن النضر في أحد]

إن حقيقة الإيمان ترسخ أنه لا أحد ينفع ولا يضر ولا يقدم ولا يؤخر إلا الله، قال النبي صلى الله عليه وسلم لغلام صغير وهو ابن عباس: (واعلم أن الأمة لو اجتمعوا على أن ينفعوك بشيء لم ينفعوك إلا بشيء قد كتبه الله لك، وإن اجتمعوا على أن يضروك بشيء لم يضروك إلا بشيء قد كتبه الله عليك، رفعت الأقلام وجفت الصحف)، من يستطيع أن يؤثر على من هذا إيمانه ويقينه؟ من يستطيع أن يؤثر على من يؤمن ويوقن بقول الله عز وجل: {فَإِذَا جَاءَ أَجَلُهُمْ لا يَسْتَأْخِرُونَ سَاعَةً وَلا يَسْتَقْدِمُونَ} [الأعراف:٣٤]؟ أنس بن النضر رضي الله عنه لم يشهد بدراً، فقال: لئن أشهدني الله يوماً كيوم بدر ليرين الله ما أصنع، وهذا قول يمكن أن أقوله أنا وأنت، لكن إنما يتبين صدق القول عند الفعل.

جاءت غزوة أحد وشارك فيها أنس بن النضر، ووقع ما وقع لالتفاف ابن الوليد رضي الله عنه، واضطراب المسلمين، ووقوع القتل فيهم، وإذا بـ أنس حينئذ يقول: (واها لريح الجنة، والله إني لأجد ريحها دون أحد)! كأنما يشم رائحتها، كأنما قضايا الإيمان تجلت، وكأنما هي حقيقة منظورة ملموسة، وليست مجرد غيب غير معروف ولا ملموس، ثم انطلق يلتمس الموت ليعانقه، ويخترق صفوف الكفار والمشركين ويقاتل، وتتخطفه السيوف، وتتناوله السهام، وفي صحيح البخاري: (لم يعرفه أحد إلا أخته بشامة أو بنانة له، قال: وفي جسده بضع وثمانون ما بين ضربة وطعنة ليس فيها واحدة في ظهره)، فهل كان هذا يخشى الموت؟ هل مثل هذا يمكن أن يساوم على دينه؟