للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

[حقيقة الإصلاح في الكتاب والسنة]

إن علينا أن ندرك حقيقة الإصلاح من كتاب الله عز وجل ومن هدي المصطفى صلى الله عليه وسلم، ما هو هذا الإصلاح؟ ما هو الذي يقع به ما نؤمله ونرجوه من هذا الإصلاح؟ قال عز وجل: {فَمَنْ خَافَ مِنْ مُوصٍ جَنَفًا أَوْ إِثْمًا فَأَصْلَحَ بَيْنَهُمْ فَلا إِثْمَ عَلَيْهِ} [البقرة:١٨٢].

إذاً هذا الإصلاح هو منع للظلم والإثم، وإن كانت الآية في شأن الوصية والموصي، لكن المقصد أنه إذا وجد الجنف والظلم والاعتداء ولو من غير قصد، أو إثم ومعصية وهي التي يكون فيها العلم والقصد فإن الإصلاح هو الذي يرد ذلك، وإن حقيقته أن يحول بين الناس وبين هذا الظلم أو ذلك الإثم.

وحقيقة أخرى في الإصلاح {فَمَنْ تَابَ مِنْ بَعْدِ ظُلْمِهِ وَأَصْلَحَ فَإِنَّ اللَّهَ يَتُوبُ عَلَيْهِ إِنَّ اللَّهَ غَفُورٌ رَحِيمٌ} [المائدة:٣٩]، والآية قد جاءت بعد ذكر حكم السرقة: {وَالسَّارِقُ وَالسَّارِقَةُ فَاقْطَعُوا أَيْدِيَهُمَا جَزَاءً بِمَا كَسَبَا نَكَالًا مِنَ اللَّهِ} [المائدة:٣٨]، ثم جاءت هذه الآية: {فَمَنْ تَابَ مِنْ بَعْدِ ظُلْمِهِ وَأَصْلَحَ} [المائدة:٣٩] لتدلنا على أن الإصلاح يمنع الظلم والإثم ويدعو إلى الخير والإحسان.

ثم هو كذلك مانع لأعظم سبب من أسباب الفساد التي تقع في الأرض فتزهق بها الأرواح وتذهب بها عصمة النفوس، ويختل بها نظام الأمن، ويقع فيها من الشرور والمفاسد ما لا ينضبط ولا يحصر أولاً ولا آخراً، كما قال جل وعلا: {وَإِنْ طَائِفَتَانِ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ اقْتَتَلُوا فَأَصْلِحُوا بَيْنَهُمَا فَإِنْ بَغَتْ إِحْدَاهُمَا عَلَى الأُخْرَى فَقَاتِلُوا الَّتِي تَبْغِي حَتَّى تَفِيءَ إِلَى أَمْرِ اللَّهِ فَإِنْ فَاءَتْ فَأَصْلِحُوا بَيْنَهُمَا بِالْعَدْلِ وَأَقْسِطُوا إِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ الْمُقْسِطِينَ} [الحجرات:٩]، وذلك مؤذن بأن حقيقة الإصلاح منع للقتل والاقتتال ولإزهاق الأرواح، ولما يترتب على ذلك من اختلال الأمن، ومما يترتب عليه من شيوع الفوضى -نسأل الله عز وجل السلامة-، فمنع هذا أمر مهم.

ويلحق به كذلك أن من حقيقة الإصلاح بقدر الطاقة والاستطاعة منع الاختلاف والتنازع، فالله جل وعلا يقول: {إِنَّمَا الْمُؤْمِنُونَ إِخْوَةٌ فَأَصْلِحُوا بَيْنَ أَخَوَيْكُمْ} [الحجرات:١٠]، وجاء في قصة الأنفال واختلاف الصحابة رضوان الله عليهم في شأنها في بدر في أول غزوة تكون لهم فيها تلك الغنائم عندما قالت كل طائفة قولاً، فجاء قوله سبحانه وتعالى: {فَاتَّقُوا اللَّهَ وَأَصْلِحُوا ذَاتَ بَيْنِكُمْ} [الأنفال:١] فجعل ذلك الإصلاح مانعاً للاختلاف، وذلك بالرد إلى كتاب الله وسنة رسوله صلى الله عليه وسلم، وذلك أمره بين واضح.