للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

[حكم الخروج على السلطان وإشاعة الفوضى في المجتمع المسلم]

هكذا نجد المواقف الكثيرة التي استنبطت مثل هذا من كتاب الله وسنة رسوله صلى الله عليه وسلم، ومن هذا ومن غيره مما أسلفناه من القول يتبين لنا حرمة ما يفعل من مثل هذه الجرائم التي لا تحقق مصلحة، بل قد تزهق أرواح ليست مقصودة، حتى لأولئك الذين اعتدوا، ويصبح بذلك نوع من اضطراب وخلل في الأمن وإشاعة للفساد، ويلحق بذلك كذلك ما يتضمنه مثل هذا الفعل من رجحان تكفير أولئك لقتل هؤلاء، واستباحة أولئك لقتل هؤلاء، ونظرهم في جواز أو في وجوب الخروج عن السمع والطاعة وشق عصا الجماعة، وكل ذلك من الأمور التي دلت النصوص الشرعية على حرمتها والمنع منها.

وليس من الإصلاح كذلك الدعوة إلى الاضطراب وإلى إشاعة الخلل في المجتمع، وذلك بصور مختلفة كثيرة، فإن ما في الأمة اليوم عموماً، وما يوجه إلى البلاد التي تضم الحرمين الشريفين خصوصاً فيه من الفتنة والبلبلة ما يعتبر مثل هذا زيادة فيه وتكريساً له وإشاعة لأمور تعظم بها الفتنة ويكثر بها الفساد ولا يقع بها الإصلاح، ونحن نعلم جميعاً أن بلاد الحرمين هي خير بلاد الإسلام والمسلمين، ولا يظنن ظان ولا يقولن أحد من مسئول ولا من دونه: إنها معصومة من الخطأ، وإنها كاملة لا نقص فيها، وإنه لا يوجد خلل أو لا يوجد تجاوز أو استعمال لبعض السلطات والمسئوليات في غير موضعها، لكن علاج ذلك بالمنهج النبوي والقرآني من المناصحة والصبر والتدرج، والأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، ولذلك نحن اليوم في أمس الحاجة إلى أن ندعو إلى زيادة التعليم الديني والإسلامي، وإلى زيادة أنشطة الدعوة وتبصير الناس بها، وإلى زيادة بيان الحق للناس في أمور ومجامع كثيرة؛ لأن غياب مثل هذه الدعوة وعدم معرفة هذه المسائل، وتقليص التعليم الديني أو الهجوم عليه -كما يفعل بعض الكتاب جهلاً أو قصداً- إنما يؤدي إلى اتساع الخرق على الراقع، ويمنع من وقوع أسباب الإصلاح، ولذلك فإنه لا بد لنا أن نؤكد على الأمر المهم، وهو أننا إذا أردنا انطلاقاً إلى الإصلاح فانطلاقنا إيماني إسلامي نبوي، وأننا ينبغي أن نعرف حقيقة الإصلاح، وأنه منع للظلم والإثم والاختلاف والنزاع وسفك الدماء واختلال الأمن، فكيف يكون الإصلاح بإيقاع مثل هذه الأمور؟! فإن الذين يدعون إلى الخروج عن الطاعة، أو الذين يدعون إلى أن يكون هناك أعمال يراد بها إثارة البلبلة والقلاقل إنما يؤدي فعلهم إلى عكس حقيقة الإصلاح القرآني، وقد رأينا كذلك أمراً مهماً، وهو أن نبحث عن المنطلقات في الشخصية المصلحة بأن تكون مخلصة لله متجردة عن الهوى، ليست منطلقة من ردود الأفعال ولا من التشكي ولا من التحدي ولا من غير ذلك، فإن أمر الأمة وسياستها أعظم من أن يكون خاصاً بهذا الشخص أو ذاك، أو بهذه الفئة أو تلك، فالمصلحة الإيمانية الإسلامية أعظم وأولى أن يراعيها الجميع حكاماً ومحكومين، علماء ودعاة، عامة ومتعلمين، تأتلف عليها قلوبهم، وتجتمع لتحقيقها جهودهم، ويتنازلون لأجلها عن بعض آرائهم أو عن بعض مصالحهم، حتى يجمع الله عز وجل القلوب، وندرك كذلك أخيراً أن كل أمر يقع به اضطراب أو تقع به فتنة أو يحل به شيء مما يؤدي إلى اختلاف الآراء أنه يصب في خانة الأعداء ومصالحهم، ويبرر ويوفر أسباباً لمزيد من العدوان على الإسلام وأهله، وعلى بلاد الحرمين الشريفين على وجه الخصوص، ولذلك ينبغي لنا أن نبصر هذه الأمور وأن نبصر بها، وأن لا يكون لنا غير ذلك؛ لأن هذا هو الذي نفهمه فهماً صحيحاً مما جاء في كتاب الله وسنة رسوله صلى الله عليه وسلم، ومما تواتر وتسلسل في عدد كبير من أسلافنا رضوان الله عليهم، ومما نطق به علماؤنا وأئمتنا ومشايخنا في عصرنا الحاضر، بل وأجمعت عليه كثير من المجامع الفقهية، فبعد هذا كله كيف نترك ذلك ونميل إلى رأي أو إلى قول لا يتطابق مع هذه المنطلقات، ولا ينطلق من هذه الاستنباطات، ويكون لنا من وراء ذلك ظن بأننا نصلح وأننا نحسن؟! نسأل الله عز وجل أن يعصمنا من الفتنة والزلل، وأن يرزقنا الإخلاص في القول والعمل، وأن يسخرنا لنصرة دينه وعون عباده، وأن يجعلنا بكتابه مستمسكين، ولهدي نبيه صلى الله عليه وسلم متبعين، ولآثار السلف الصالح مقتفين.

اللهم! إنا نسألك التقى والهدى والعفاف والغنى.

اللهم! تول أمرنا، وارحم ضعفنا، واجبر كسرنا، واغفر ذنبنا، وبلغنا فيما يرضيك آمالنا.

اللهم! إنا نسألك العفو والعافية والمعافاة الدائمة في الدين والدنيا والآخرة.

اللهم! إنا نسألك لهذه البلاد ولبلاد المسلمين، أن توفر أمنها، وأن تعظم وحدتها، وأن تزيد رزقها، وأن تردنا وترد المسلمين جميعاً إلى دينك رداً جميلاً، وأن تأخذ بنواصينا إلى طريق الحق والسداد والرشد والصواب، وأن تجعل في بلاد المسلمين تحكيماً لكتابك ولسنة نبيك كاملاً غير منقوص، وأن تجمع القلوب على ذلك، وأن توحد الجهود على إقراره وإمراره يا رب العالمين.

اللهم! إنا نسألك أن تجعل خير أعمالنا خواتيمها وخير أيامنا يوم نلقاك وأنت راض عنا.

اللهم! إنا نسألك أن تعز الإسلام والمسلمين، وأن ترفع بفضلك كلمة الحق والدين، وأن تنكس راية الكفرة والملحدين.

اللهم! من أرادنا وأراد الإسلام والمسلمين بخير فوفقه لكل خير، ومن أرادنا وأراد الإسلام والمسلمين بسوء فاجعل دائرة السوء عليه، واجعل تدبيره تدميراً عليه.

اللهم! عليك بسائر أعداء الدين فإنهم لا يعجزونك، اللهم! فرق كلمتهم، واستأصل شأفتهم، ودمر قوتهم، اللهم! إنا ندرأ بك في نحورهم، ونعوذ بك -اللهم- من شرورهم، اللهم! خالف كلمتهم، اللهم! اجعل بأسهم بينهم، اللهم! إنا نسألك أن ترينا فيهم عجائب قدرتك، وعظيم سطوتك، اللهم! لا ترفع لهم راية، ولا تبلغهم غاية، واجعلهم لمن خلفهم آية، وأرنا فيهم عجائب قدرتك عاجلاً غير آجل يا رب العالمين.

اللهم! أنزل بهم بأسك الذي لا يرد عن القوم المجرمين يا قوي يا عزيز يا متين.

اللهم! رحمتك ولطفك بإخواننا المسلمين المضطهدين والمعذبين والمشردين والمبعدين والأسرى والمسجونين والجرحى والمرضى في كل مكان يا رب العالمين.

اللهم! امسح عبرتهم، وسكن لوعتهم، وآمن روعتهم، وفرج كربتهم، وزد إيمانهم، وعظم يقينهم، وقرب نصرهم، وادحر عدوهم، واجعل ما قضيت عليهم زيادة لهم في الإيمان واليقين، ولا تجعله فتنة لهم في الدين.

واجعل -اللهم- لنا ولهم من كل هم فرجاً، ومن كل ضيق مخرجاً، ومن كل فتنة عصمة، ومن كل بلاء عافية يا سميع الدعاء.

اللهم! انصر عبادك وجندك المجاهدين في كل مكان يا رب العالمين، اللهم! اجعل بلدنا آمناً مطمئناً رخاءً وسائر بلاد المسلمين، وأصلح -اللهم- أئمتنا وولاة أمورنا، واجعل ولايتنا فيمن خافك واتقاك واتبع رضاك يا رب العالمين.

اللهم! وفق ولي أمرنا لهداك، واجعل عمله في رضاك، وارزقه بطانة صالحة تدله على الخير وتحثه عليه يا سميع الدعاء.

اللهم صل وسلم وبارك على نبيك محمد وعلى آله وصحبه أجمعين.