للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

[الحيوية والنشاط في روح مصلي الفجر وبدنه]

الغنيمة الخامسة: الانطلاقة الحيوية، وهذه أيضاً غنيمة عملية دنيوية دينية وإيمانية في الوقت نفسه، وهذه أثرها واضح، وأمثلتها العملية بالكثرة التي لا تحصى، يشرحها لنا أيضاً حديث أبي هريرة رضي الله عنه عن النبي صلى الله عليه وسلم: (يعقد الشيطان على قافية رأس أحدكم إذا هو نام ثلاث عقد، يضرب على كل عقدة منها فيقول: عليك ليل طويل فارقد، فإذا استيقظ- أي: النائم- فذكر الله انحلت عقدة، وإذا توضأ انحلت عنه عقدتان، فإذا صلى انحلت عقده كلها، فأصبح نشيطاً طيب النفس، وإلا أصبح خبيث النفس كسلان) رواه مسلم.

فمن صلى الفجر في جماعة واستيقظ في ذلك الوقت وتوضأ صرف الله عز وجل عنه عقد الشيطان وما ضرب عليه، فيصبح منشرح الصدر طيب النفس قوي العزم متجدد النشاط، فيه حيوية للعمل والانطلاق والتحرك، وفيه أيضاً أريحية، فتلقاه إذا لقيته يبتسم في وجهك، ويبش لمقدمك، ويهب لمساعدتك، وقد وجد في نفسه من برد الإيمان ومن الاستقامة ومن عظمة ما تلقاه النفس البشرية من أثر العبادة لله عز وجل من عظيم هذه الآثار ما يجعل في انطلاقته في أمر حياته وفي سائر شئونه ما الله سبحانه وتعالى به عليم.

ومن نام عنها فحاله -كما ورد في الحديث-: (أصبح خبيث النفس كسلان) حيث تجد بعض الناس إذا لقيته في الصباح كأنما ركبه الشيطان، فإذا هو مقطب الجبين معبس الوجه، وحين تسلم عليه كأنما قد سببته أو شتمته، وتجده في أموره متعثراً، وتجد بعض القضايا اليسيرة التي تمر به فإذا به يضيق أشد الضيق، وكثيراً ما ترى بعض الناس ممن لا يشهدون الفجر في جماعة دائماً يشتبكون ويتعاركون ويختصمون في أول النهار؛ لأنهم قد حرموا من هذا الأثر لهذه النفس التي تتحرك وتنطلق، ولذلك انظر إلى ما يحصل -وهذا واقع ينبغي أن نربطه بمثل هذا الحديث- عند انطلاق الناس إلى الأعمال وإلى المدارس في الصباح، فكم ترى دائماً من المشاكسات والمعاكسات بالسيارات والاشتباكات بين السائقين! وذكر بعض الكتاب في هذا كلاماً جيداً فقال: من وقع له مثل هذا فإنه يستقبل يومه بخير، فإذا بزوجته تبش في وجهه، وإذا بأبنائه يستيقظون نشيطين، وإذا به إذا مر بسيارته يجد الإشارة خضراء، وإذا به يذهب إلى عمله فيجد أموره ميسرة، ونحو ذلك، أما غيره فلا يجد مثل هذا.

وللأسف أن بعضاً منا لا يربط مثل هذا الربط، بل بعض الناس يستغربه، بل بعضهم يعترض عليه ويقول: ما دخل هذا بهذا؟ ونقول: إن الفقه الإيماني يجعل للطاعة أثرها المحسوس الملموس، ويجعل للمعصية أثرها المحسوس الملموس، وقد سئل الحسن رضي الله عنه: ما بال أهل الليل على وجوههم النور؟ فقال: خلوا بربهم فألبسهم من نوره.

وهكذا ينبغي أن نوقن أن الطاعة لها أثر في التيسير وفي انشراح الصدر وطمأنينة القلب وسكينة النفس وكل هذه الأمور، فهذا الحديث -أيضاً- شاهد من هذه الشواهد، والشيطان يقول: (عليك ليل طويل فارقد) أي: ما زال في الليل طول.

وإذا أذن المؤذن قال: ما زال هناك وقت طويل على الإقامة.

فإذا أقيمت الصلاة قال: يمكن أن تدرك الركوع، وهذا الإمام يطول في قراءته وهكذا حتى يذهب الوقت.

أما من لا يستيقظ فذاك نومه أصلاً طويل قد غفل عن طاعة الله عز وجل ونام عن العبادة، نسأل الله عز وجل السلامة.