للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

[الرد على من يتعلل ببعض الشبهات في تأخير الصلاة عن وقتها]

يأتي الحديث هنا عن الأوهام والشبهات التي يتعلل بها ذلك النائم، ويضيع بها تلك الغنائم، فبعض الناس يستشهدون بأحاديث وبنصوص أحب أن أوردها وأن أذكرها، وأن أبين أن ما يذكرونه أو ما يتوهمونه غير صحيح، فبعض الناس يجعل النوم على إطلاقه عذراً، وبعضهم يجعل التعب أو المشقة اليسيرة عذراً لتأخيرها عن وقتها وعدم شهودها في الجماعة، وقد كان الصحابة والسلف الصالح بعدهم يصاب أحدهم بالفالج –أي: بالشلل النصفي- فيؤتي به وهو يهادى بين الرجلين حتى يقام في الصف ليصلي مع الجماعة، ولم تكن عندهم سيارات يركبونها، ولا طرق ممهدة يسيرون عليها، ولا فرش موطأة يصلون عليها، ولا مكيفات باردة تهب عليهم نسائمها، ومع ذلك كان الواحد منهم لا يتخلف عن الصلاة، وإذا تخلف عنها شعر بالخطر العظيم والكرب الجسيم، وبكى وندم واستغفر، وربما عزاه بعض أصحابه، ولم يكن الحال كما عليه حال الناس اليوم.

وقد سأل بعض الصحابة النبي عليه الصلاة والسلام عن نومهم عن الصلاة فقال: (ليس في النوم تفريط، إنما التفريط في اليقظة) رواه مسلم والترمذي وأبو داود.

وفي حديث علي رضي الله عنه قال: (رفع القلم عن ثلاثة: عن النائم حتى يستيقظ، وعن الصبي حتى يحتلم، وعن المجنون حتى يعقل)، وبعض الناس يأخذون هذين الحديثين على إطلاقهما، ويرون أنه ليس في النوم تفريط، والمدلول اللفظي للحديث الأول هو أن النائم إذا فاتته الصلاة لا يعد ذلك تفريطاً منه؛ لأن النوم سلطان ليس بيده، وذلك إذا كان حريصاً على الصلاة ملتمساً الأسباب للاستيقاظ ولشهودها، آخذاً بكل الأسباب المعينة على ذلك، ثم غلبه النوم من غير اختيار منه على ندرة في ذلك، فمن رحمة الله عز وجل ولطفه وعظمة هذا التشريع في هذا الدين أنه رفع الحرج عن المسلمين، وبين أنه ليس على النائم في ذلك شيء، والنوم بالنسبة له ليس تفريطاً بيده، لكن الذي يسهر ويعلم أن السهر سيمنعه من الاستيقاظ، أو يعلم أن نومه ثقيل ولا يطلب من أحد أن يوقظه، أو يتعود ذلك فينام كل يوم ولا يستيقظ إلا في النادر لإدراك صلاة الفجر، ثم يقول: إنه ليس في النوم تفريط فهذا يضحك على نفسه ويخادع نفسه، وفي حديث أنس رضي الله عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال: (إذا رقد أحدكم عن الصلاة أو غفل عنها فليصلها إذا ذكرها، فإن الله جل وعلا يقول: {وَأَقِمِ الصَّلاةَ لِذِكْرِي} [طه:١٤])، وهذا إذا كان ذلك في الأمر العارض والمرة النادرة الغريبة الشاذة، وليس الأمر المتكرر الذي يقع من الإنسان كثيراً، فإذا حصل مرة من المرات أنه رقد عن الصلاة أو غفل عنها (فليصلها إذا ذكرها)، فهذه النصوص ليست في هذا الشأن، وليست هي فيه من قريب ولا بعيد، وإنما هي بعض الشبهات وبعض الأوهام، وعندما نريد أن ندمغ هذا القائل بالحجة فإننا نسأله: لو كان هذا الوقت المضروب وقتاً للعمل والوظيفة، أو كان وقتاً لسفر ما، أو كان وقتاً لأمر يهمه أو يخصه هل سيسمح لنفسه أن يعتبر هذا النوم عذراً أو تفريطاً؟ وأضيف إلى ذلك أن هذه التشريعات الإسلامية جاءت بكيفيات، ومن هذه الكيفيات الأوقات، قال عز وجل: {إِنَّ الصَّلاةَ كَانَتْ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ كِتَابًا مَوْقُوتًا} [النساء:١٠٣]، وإن لليل عملاً لا يقبله الله في النهار، وإن للنهار عملاً لا يقبله الله في الليل، والمسلم منضبط، والصلوات وأوقاتها قد وردت فيها أحاديث كثيرة، وجاء فيها توقيت من جبريل عليه السلام للنبي صلى الله عليه وسلم، كما ورد في الأحاديث أنه صلى به في أول وقت الفجر والظهر والعصر والمغرب والعشاء، وصلى به في آخر أوقاتها، وقال: (الصلاة بين هذين الوقتين) وقد علم النبي صلى الله عليه وسلم أصحابه ذلك كله، وإلا فلما كان هناك هذه الأهمية للوقت والأعمال، والنبي عليه الصلاة والسلام لما سئل: أي العمل أحب إلى الله؟ قال: (الصلاة على وقتها)، وقدم ذلك -كما هو في هذا الحديث- على بر الوالدين وعلى الجهاد، وتطبيق النبي عليه الصلاة والسلام والصحابة يدل على ذلك، كما في حديث عائشة رضي الله عنها قالت (كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يصلي الصبح فينصرف النساء متلفعات بمروطهن ما يعرفهن أحد من الغلس) أي: كان يصلي الصلاة في أول الوقت، وليس إذا أسفر النهار أو بعد أن تطلع الشمس كما يصنع بعض الناس حيث يستيقظ مرة واحدة للدوام أو للمدرسة وأيضاً للصلاة، فيقوم كأنه للدوام لا للصلاة، فيجعل الصلاة ملحقاً ويمضي إلى عمله، فلا يبارك له، وتمحق البركة في الأوقات والأموال، وفي كثير من الأحوال التي نراها من أثر هذا الأمر، نسأل الله عز وجل السلامة.