للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

[فتح أبواب الرزق]

وخامسةٌ يفكر فيها الناس كثيراً، ويرونها المقياس الذي قد غلب على عقول كثيرين من الناس، وهي الأمور المادية المحسوسة، من المال والأبناء والزوجة، ونعيم هذه الحياة، أين الطريق إليه؟ وهل كتب على المؤمن أن يبقى محروماً في هذه الدنيا حتى يؤتى النعيم في الآخرة؟ أهل الإيمان لا ينظرون إلى هذا، ومع ذلك جاء الوعد الرباني الذي جعله الله عز وجل سنةً في هذه الحياة، إن فمورد الرزق وطريقه، وأبواب هذه الحياة الدنيا إنما تستفتح بطاعة الله عز وجل، إن مقاليد الرزق هي الطاعات والعبادات لله عز وجل، ألم نسمع حديث النبي صلى الله عليه وسلم الذي يقول فيه كما في صحيح البخاري: (من أراد أن يبسط له في رزقه وينسأ له في أثره، فليصل رحمه)، ربط هذا بهذا، وقال الله عز وجل كما في قصة نوح: {فَقُلْتُ اسْتَغْفِرُوا رَبَّكُمْ إِنَّهُ كَانَ غَفَّارًا * يُرْسِلِ السَّمَاءَ عَلَيْكُمْ مِدْرَارًا * وَيُمْدِدْكُمْ بِأَمْوَالٍ وَبَنِينَ وَيَجْعَلْ لَكُمْ جَنَّاتٍ وَيَجْعَلْ لَكُمْ أَنْهَارًا} [نوح:١٠ - ١٢].

إن الطاعة من أبواب الرزق العظيمة: {وَلَوْ أَنَّ أَهْلَ الْقُرَى آمَنُوا وَاتَّقَوْا لَفَتَحْنَا عَلَيْهِمْ بَرَكَاتٍ مِنَ السَّمَاءِ وَالأَرْضِ وَلَكِنْ كَذَّبُوا فَأَخَذْنَاهُمْ بِمَا كَانُوا يَكْسِبُونَ} [الأعراف:٩٦]، هكذا يبين لنا القرآن هذه القاعدة، والنبي عليه الصلاة والسلام قد قال: (لو أنكم تتوكلون على الله حق التوكل لرزقكم كما يرزق الطير، تغدو خماصاً وتروح بطاناً)، لو أن الناس تعلقوا بالله، وأخلصوا لله، وأيقنوا بوعد الله، وجعلوا وقتهم وجهدهم وطاقتهم في طاعة الله، ولم يرتكبوا ما حرم الله؛ لفتح لهم الله عز وجل من أبواب الرزق ما لا يحتسبون؛ لأن الله عز وجل قال: {وَمَنْ يَتَّقِ اللَّهَ يَجْعَلْ لَهُ مَخْرَجًا * وَيَرْزُقْهُ مِنْ حَيْثُ لا يَحْتَسِبُ} [الطلاق:٢ - ٣].

ونعلم أيضاً أن أبواب الرزق ليست في كثرتها، وإنما في بركته، فكم من كثيرٍ ممحوق البركة لا ينفع ولا يفيد! وكم من قليلٍ يجعل الله عز وجل فيه البركة! ويرزق العبد المؤمن معه الرضا بما قسم الله له فيكون هناءةً على هناءته، وسعادة على سعادته.

فافهم أخي المؤمن وتنبه إلى ما وعد به الرسل أقوامهم عندما يوجهون إليهم دعوتهم، كما قال نوح، وكما قال غيره في قوله عز وجل: {وَأَنِ اسْتَغْفِرُوا رَبَّكُمْ ثُمَّ تُوبُوا إِلَيْهِ يُمَتِّعْكُمْ مَتَاعًا حَسَنًا إِلَى أَجَلٍ مُسَمًّى وَيُؤْتِ كُلَّ ذِي فَضْلٍ فَضْلَهُ} [هود:٣]، وقال جل وعلا: {وَيَا قَوْمِ اسْتَغْفِرُوا رَبَّكُمْ ثُمَّ تُوبُوا إِلَيْهِ يُرْسِلِ السَّمَاءَ عَلَيْكُمْ مِدْرَارًا وَيَزِدْكُمْ قُوَّةً إِلَى قُوَّتِكُمْ وَلا تَتَوَلَّوْا مُجْرِمِينَ} [هود:٥٢].

هكذا أيضاً ينبغي أن ندرك أن حظ هذه الحياة الدنيا إنما يدرك بالطاعة والإيمان، فنسأل الله عز وجل أن يعطينا أعطيات الإيمان، وأن يفتح لنا أبواب العطاء من خلال الطاعة، ومن خلال العبودية والإخلاص لله سبحانه وتعالى.

اللهم إنا نسألك أن تفتح لنا أبواب الخير والرزق، وأن تجعل قلوبنا بالإيمان مطمئنة، وأن تجعل صدورنا بالإسلام منشرحة، وأن تجعل نفوسنا بما أعطيتنا راضية طامعة.

أقول هذا القول وأستغفر الله العظيم لي ولكم من كل ذنبٍ، فاستغفروه إنه هو الغفور الرحيم.