للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

[أضرار التدخين وطرق الإقلاع عنه]

الهاوية الأولى: التدخين، ربما يكون ترتيبنا ليس مقصوداً بذاته؛ فإن كل واحدة من هذه المهاوي لها ما يقدمها على غيرها من وجوه كثيرة حتى يحتار المرء في أيها يبدأ! التدخين كلنا يعرفه، ولكنني أقول: إن الأرقام المتعلقة بالتدخين في فئة الشباب ترعب، والحقائق تخيف، والنتائج تنذر بخطر عظيم، وهذه وقفات مختصرة جداً، وإلا فإن هناك ما هو أعظم وأكبر وأخطر.

إن الأرقام المتوافرة على التدخين في دائرة الشباب مرعبة، وقد نشرت صحفنا المحلية: أن دراسة أجرتها وزارة التربية والتعليم في المدارس شملت (٧٥٢) تلميذاً في المرحلة المتوسطة والثانوية بالمدارس الحكومية في مدينة الدمام، أعطت هذه النتائج أن (٣٠%) من هؤلاء الطلاب مدخنون في المرحلة المتوسطة والثانوية، و (٩٠%) من هؤلاء المدخنين بدءوا بالتدخين في مرحلة مبكرة، وبينت الدراسة أن (٥٥%) من طلبة السنة النهائية في المرحلة الثانوية لا يقدرون حق التقدير احتمال إصابتهم بالإدمان على التدخين.

ومن الأرقام المؤسفة أن جمعية مكافحة التدخين أشارت إلى أن (١٧%) من الطبيبات السعوديات العاملات في منطقة الرياض مدخنات.

ومن الأرقام المفزعة كذلك دراسة أجريت على مدارس البنات في المرحلة المتوسطة والثانوية في منطقة مكة المكرمة، وأظهرت أن من (٣٥%) إلى (٥٥%) من الطالبات مدخنات، وهذه النسبة تزيد عند المعلمات.

وتشير إحصائية أخرى إلى أن عدد المدخنين إجمالياً في المملكة بلغ نحو (ستة ملايين) مدخن ما بين ذكر وأنثى ومقيم ومواطن، وأن إجمالي ما يدخنونه (ثمانية مليارات وسبعمائة ألف سيجارة)، وأن ذلك يكلف (ستمائة وثلاثة وثلاثين مليون ريال) في العام الواحد.

لو حسبنا هذه الأرقام وتحدثنا عن البطالة أو عن المشروعات أو عما سيأتي من تكاليف العلاج سنرى كم هي الجريمة فادحة! وكم هي الخسارة عظيمة في هذه الهاوية الخطيرة! والتقارير العامة من منظمة الصحة العالمية تقول: إن أعداد المدخنين تتناقص في أمريكا والدول الأوروبية والدول المتحضرة، وأنها تتزايد في دول العالم الثالث، وتتوقع بحلول عام (٢٠٢٠م) أن يكون (٧٠%) من أسباب الوفيات راجعة إلى التدخين.

أرقام أخرى تقول: إن استهلاك السيجارة في المملكة ليس كما ذكرت وإنما أرقام أخرى: (خمسة عشر مليار سيجارة)، وأنها تكلف ذلك الرقم الذي ذكرته، وأن إجمالي نسبة المدخنات من بين المدخنين عموماً تزيد على (٢٠%).

ونشرت جريدة البيان الإماراتية في تقرير نشره المكتب التنفيذي لمجلس وزراء الصحة لدول مجلس التعاون لدول الخليج العربية أن التبغ كلف المجتمع الدولي عموماً أحد عشر ألف وفاة يومياً.

أما الدراسات تقول: إن (خمسة وأربعين) وفاة يومياً في دول الخليج سببها المباشر التدخين، وهذه الوفيات يمكن أن تحسب بالساعات، بل ربما بما هو أقل من ذلك.

وتقول الدراسة التي أجريت في عام (٢٠٠٠م): إن هناك ألف وفاة سنوية بأمراض سرطانية لها علاقة مباشرة بالتدخين.

وتقول هذه الدراسة: إن التدخين ينتشر بمقدار (٤٠%) في المجتمع الرجالي و (١٠%) في المجتمع النسائي و (١٥%) في مجتمع الصغار والشباب المراهقين.

وتؤكد الدراسة أن فئة الأطباء والعاملين في القطاع الصحي وطلبة كليات الطب يمارسون التدخين بنسبة تصل إلى ثلث الشريحة، وتتجاوز نصف الشريحة في السعودية والكويت والإمارات التي أكدت الدراسة أن (٤٤%) من الأطباء الذكور يدخنون السيجارة.

وفي دراسة أيضاً أجريت في إحدى مناطق المملكة على الطالبات أن (٢٧%) من طالبات المرحلة المتوسطة و (٣٥%) من المرحلة الثانوية، وأكثر من (٥٠%) من المعلمات كلهن يدخن السجائر.

وإحصائية علمية في المملكة قدرت أن خسائر مستشفى الملك فيصل التخصصي في علاج الحالات المرضية للمدخنين بلغت أكثر من (عشرة مليار دولار) خلال خمسة وعشرين عاماً.

وتؤكد هذه الأرقام والإحصاءات أن المملكة هي الدولة الرابعة على مستوى العالم في استيراد واستهلاك التدخين.

وتبلغ نفقات التدخين في استيراده -فضلاً عما يترتب عليه من مصروفات العلاج- أكثر من الميزانيات المخصصة للبحوث العلمية وتطوير التعليم.

وتقول الأرقام الأخرى العامة: إن أعلى الدول في العالم تدخيناً بالنسبة إلى عدد السكان هي تركيا، البلد الإسلامي الذي يبلغ نسبة المدخنين فيه إلى نسبة عدد السكان (٦٧.

٥%) من إجمالي عدد السكان.

وعدد المدخنين في مصر يرتفع سنوياً ما بين (٨ - ٩%)، وهو معدل أعلى بكثير من معدل زيادة المواليد.

وتقدر دراسات الشركات المصنعة والمستوردة للتدخين: أن في مصر ما بين (ستة عشر) إلى (سبعة عشر مليون) مدخن.

وتقول وزارة الصحة المصرية: إن المصريين ينفقون نحو (خمسة مليارات جنيه) على التدخين، أي: نحو (٢٢%) من متوسط الدخل القومي للفرد في مصر.

وهذه الأرقام كافية في أن تظهر لنا فداحة الأمر وخطورته الشديدة الكبيرة.

وقفة ثانية مع قضية قريبة منا ولصيقة بنا كثيراً: أعددت استمارة صغيرة فيها معلومات عن الشخص، ومتى بدأ التدخين، وكم سيجارة يدخن في اليوم، وما هو سبب تدخينه لأول مرة، وهل فكر في الإقلاع عن التدخين، وكم المدة التي مكثها عندما أقلع عن التدخين ثم عاد إليه.

وقد اخترت من نحو أربعين استمارة هذه النماذج اليسيرة، وكلها أخذت من دائرة لا تزيد عن مئات الأمتار عن هذا المسجد الذي نستمع فيه إلى هذا الحديث.

هذه استمارات اخترتها لمن يدخنون وهم دون الخامسة عشر من العمر.

استمارة أحد المدخنين عمره اثنان وعشرون عاماً، يقول: إنه بدأ التدخين قبل خمسة عشر عاماً، أي: أنه بدأ يدخن وهو ابن سبع سنوات! ويقول: إنه يدخن يومياً نحو خمس عشرة سيجارة، والسبب الرفقة والأصحاب، ويقول: فكر أكثر من مرة بترك التدخين ولكنه لم يتركه إلا لأقل من أسبوع فقط.

وآخر عمره عشرون عاماً يذكر أنه بدأ التدخين قبل عشر سنوات، أي: وعمره عشر سنوات، ولكنه يدخن قليلاً، وقد ترك التدخين نحواً من عام ثم عاد إليه.

وآخر عمره ستة وعشرون عاماً ودخن قبل خمسة عشر عاماً أي: وعمره أحد عشر عاماً، ويدخن أكثر من عشرين سيجارة في اليوم، ولم يفكر في ترك التدخين، والسبب أيضاً الرفقة والأصحاب.

وآخر عمره اثنا عشر عاماً، ويدخن في اليوم أكثر من عشرين سيجارة، ولم يفكر في الإقلاع عن التدخين بعد كما يقول.

وهذا عمره أحد عشر عاماً، ويدخن أكثر من عشرين سيجارة، ويقول: فكر مرة واحدة، وتوقف لأقل من أسبوع.

واثنان عمرهما أربعة عشر عاماً، وكلاهما يدخن في اليوم ما بين خمس عشرة إلى أكثر من عشرين سيجارة.

وأكثر الأسباب التي ذكرت في هذه الاستمارات هي الرفقة والأصحاب، خمسة وعشرون مدخناً من هؤلاء الأربعين ذكروا هذا السبب.

ومن الأسباب الأخرى: كتب بعضهم: الطفش، وكتب آخر: الوهم، وكتب ثالث: السفر إلى الخارج، وكتب رابع: طيش الشباب.

ثم ليست من مهمة حديثنا هذا الوقوف مع الأضرار والأخطار، وأقول هذا حتى أدفع من يسمع إلى أن يراجع ويبحث، وأرجو ألا يراجعني بل يراجع نفسه ويبحث ثم يعود؛ لأن التدخين أشد خطراً وضرراً من الخمر والمخدرات على المستوى العام، وتبين الآن أن في مادة التبغ أكثر من أربعمائة مكون كيميائي، فيها على حد أدنى أربعون مكوناً ساماً قاتلاً على المدى البعيد، وكل من يتجاوز التدخين عشر سنوات فإنه يكون معرضاً للإصابة بالسرطان أو تصلب الشرايين بنسبة تزيد على (٨٠%)، والأرقام من حيث الاستهلاك والشيوع أكثر بكثير من بقية الأحوال الأخرى.

لذلك بدأت الحديث عن التدخين؛ لأنه خطير، ولأن الحديث عنه والمواجهة له من المفترض أن تكون أيسر وأسهل من غيره من المهاوي الخطيرة.

أما بالنسبة للأحكام الفقهية أيضاً، فليس مرادنا الوقوف عندها، ولكنني وجدت لبعض الفتاوى نوعاً من الشمول والقوة، التي لعل ذكرها يزيل الأوهام؛ لأنه يكاد يجمع المدخنون وطائفة كبيرة من غير المدخنين أن التدخين لا يعدو أن يكون مكروهاً، وهذا لمن يجترئ ويقول: إنه مكروه، وإلا فبعضهم يرى أنه دون ذلك، مع أنه عقد في عام (١٤٠٢هـ) أو (١٤١٢هـ) مؤتمر في المدينة المنورة في الجامعة الإسلامية، وحضره جمع من العلماء، وأفضل ما أصدروه من هذا المؤتمر: فتوى جماعية بحرمة التدخين، وأنا أذكر هذه النصوص من فتوى سماحة الشيخ: عبد العزيز بن باز رحمه الله والشيخ ابن عثيمين رحمه الله، والثانية أوسع وأشمل، وفيها من المعاني ما يستلفت النظر والانتباه، قال ابن باز رحمه الله: الدخان محرم؛ لكونه خبيثاً ومشتملاً على أضرار كثيرة، والله عز وجل إنما أباح لعباده الطيبات من المطاعم والمشارب، وحرم عليهم الخبائث، قال الله جل وعلا: {يَسْأَلُونَكَ مَاذَا أُحِلَّ لَهُمْ قُلْ أُحِلَّ لَكُمُ الطَّيِّبَاتُ} [المائدة:٤]، وقال تعالى في الحكم من بعثة النبي صلى الله عليه وسلم: {يَأْمُرُهُمْ بِالْمَعْرُوفِ وَيَنْهَاهُمْ عَنِ الْمُنكَرِ وَيُحِلُّ لَهُمُ الطَّيِّبَاتِ وَيُحَرِّمُ عَلَيْهِمُ الْخَبَائِثَ} [الأعراف:١٥٧]، فكل ما هو خبيث محرم.

ولا أظن مجنوناً وليس عاقلاً في الدنيا يمكن أن يقول: إن الدخان ليس خبيثاً، فضلاً عن أن يقول: إنه طيب.

قال: وهكذا جميع المسكرات كلها من الخبائث، والدخان لا يجوز شربه، ولا بيعه، والتجارة فيه كالخمر، والواجب على كل من يشربه ويتجر فيه البدار بالتوبة والإنابة.

أما فتوى الشيخ ابن عثيمين رحمه الله فيقول فيها: شرب الدخان محرم، وكذلك بيعه وشراؤه، والتأجير لمن يبيعه؛ لأن ذلك من التعاون على الإثم والعدوان، ودليل تحريمه قوله تعالى: {وَلا تُؤْتُوا السُّفَهَاءَ أَمْوَالَكُمُ الَّتِي جَعَلَ اللَّهُ لَكُمْ قِيَامًا} [النساء:٥] ووجه الدلالة من ذلك أن الله تعالى نهى أن نؤتي السفهاء أموالنا؛ لأن السفيه يتصرف بها فيما لا ينفع، وبين الله سبحانه وتعالى أن هذه الأموال قيام للناس لمصالح دينهم ودنياهم، وصرفها في الدخان ليس من مصالح الدين ولا من مصالح الدنيا، فكيف يكون صرفها في ذلك؟! فيكون صرفها في ذلك منافياً لما جعله الله تعالى لعباده.

ومن أدلة تحريمه: {وَ