للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

[ركائز التميز الشخصي للشباب]

الصورة الأولى: الشباب والتميز الشخصي أي: تميز الشخصية للشاب واكتمالها واستوائها واعتدالها، وأقول هنا في عناوين جامعة: التدين أساس، والأخلاق زينة، والجدية إنتاج، والاستقلالية ثبات، والمبادرة عطاء، والهمة ارتقاء، هذه أركان وركائز أعود عليها بشيء من التعريف.

الأول: التدين أساس: فلا يقوم شيء قياماً صحيحاً ولا يدوم دواماً مستمراً إلا أن يكون له أساس اعتقادي إيماني، فإن الذي يحرك النفوس ويقوي العزائم ويثبت في المواقف ويمنع من الانزلاق بعد عون الله عز وجل هو التدين والإيمان والخوف من الله عز وجل، وتذكر العواقب، والحرص على تجنب مواطن الخزي في الدنيا والندامة في الآخرة، ولذلك لما تربى الجيل الأول من أصحاب النبي عليه الصلاة والسلام والأجيال المؤمنة على الإيمان حتى عصرنا الحاضر رأينا شباباً يستعلي على الشهوات، ويقف بشموخ وقوة وصلابة أمام الإغراءات، ونجده يسمو على كل تلك الشهوات، ويشمخ بهمته وعزيمته إلى ما هو أعلى وأسمى من كل هذه العوارض، ونحن نرى ذلك بحمد الله ونرى له أمثلة فنقول: من أراد حتى أن يتفوق في الدراسة فضلاً عن التفوق الأخلاقي فإن أساسه ومفتاحه ومبدأه التدين والارتباط بالله عز وجل، وأداء الفرائض، والإقبال على الطاعات، والاستكثار من الخيرات، والحرص على الرفقة الصالحة، والارتباط بكل ما يغذي ويحيي مشاعر الإيمان في النفوس والقلوب، من دروس العلم ومواعظ الذكر وغير ذلك.

الثاني: الأخلاق زينة: فإن التربية الخلقية وإن كانت جزءاً من التربية الدينية، إلا أنها صورة خاصة ومنطقة مهمة ينبغي العناية بها، فخلق في الصدق والأمانة، وخلق في العفة والحياء، وخلق في الصبر والحلم، وخلق في جوانب التعامل من التواضع والبشاشة والرفق واللين وغير ذلك، عندما نحببها ونرغب فيها الشباب ونشيعها بينهم، ليس كما هو حالنا اليوم تجد كثيراً من الشباب يمتهنون الكذب ويحترفونه، ويعتبرون جودة الأساليب والمخادعة بالكذب نوعاً من الشطارة كما يسمونها أو من الحذق والمهارة ونحو هذا.

الثالث: الجدية إنتاج: الجدية بمعنى: أخذ الأمور بجد استغلالاً للوقت، وحرصاً على التحصيل، وإتقاناً في العمل، فقد غلب على الشباب تراخ وكسل وتفريط وتضييع من أثر تلك المهاوي التي أشرنا إليها.

يقول عز وجل: {يَا يَحْيَى خُذِ الْكِتَابَ بِقُوَّةٍ} [مريم:١٢] فديننا دين قوة، ودين جد، فقد خوطب النبي عليه الصلاة والسلام في أول ما نزل عليه من القرآن في الآيات الأولى: {إِنَّا سَنُلْقِي عَلَيْكَ قَوْلًا ثَقِيلًا * إِنَّ نَاشِئَةَ اللَّيْلِ هِيَ أَشَدُّ وَطْئًا وَأَقْوَمُ قِيلًا} [المزمل:٥ - ٦].

وقال زيد بن ثابت لما كلفه أبو بكر بجمع القرآن: (لو كلفني نقل جبل من مكانه لكان أهون علي).

كان السلف يأخذون الأمور بجدية، فتجدهم حينما ينتدبون للمهمات يؤدون الواجبات، ويتقنون الصناعات، ويتفوقون في العلوم، وغير ذلك من الجوانب المهمة.

الجدية مفتاح أساسي في شخصية الشاب على وجه الخصوص، وشخصية المسلم على وجه العموم، مالنا نرى كثيراً من الشباب وهم رقعاء سفهاء متخنثون متشبهون بالنساء؟! نرى أنواعاً من هذه الشخصية التي شوهتها تلك المهاوي والمهالك التي أشرنا إليها.

الرابع: الاستقلالية ثبات: فإن شخصية الشاب لابد أن تكون فيها استقلالية، وفيها قدرة على التعبير عن رأي صاحبها، وأن يخرج ما لديه من الاعتراضات، أو من الأمر بالمعروف، أو النهي عن المنكر، أو الوقوف عن الخوض في الفتن كما في الأثر: (إذا أحسن الناس فأحسن معهم، وإن أساءوا فاجتنب إساءتهم)، لا ينبغي للشاب أن يقول: المجاملة، وكيف أقول؟ وكيف أفعل؟ الشاب لابد أن يكون مستقلاً في شخصيته مع مراعاة الأدب، ومع مراعاة حسن التوقير للكبير، لكنه لا يذل نفسه، ولا يسير مع التيار، بل له من إيمانه وخلقه وجديته ما يثبت به على معتقده، وعلى رأيه في الحياة، وعلى جده في الأمور.

الخامس: المبادرة عطاء: كثر في شبابنا أنهم ينتظرون غيرهم أن يبدأ، وينتظرون الكبار أن يصنعوا، ونحن نعرف أن الصغار كانوا في الزمان الأول كباراً، ونحن اليوم نرى الكبار وهم في حقيقة أمرهم صغار، ونحن نستصغر الشاب فنقول عنه وهو في المتوسط: إنه صغير، وفي الثانوي لم يكبر بعد، وفي الجامعة ما زال في مقتبل شبابه، ولا يعتمد عليه حتى يبلغ إلى الخامسة والعشرين أو الثلاثين! إذاً: متى سيكون هو ذلك الشاب الذي يثق في نفسه، ويبادر بأن يتقدم وينتدب إلى المهمات؟ إذا القوم قالوا من فتى خلت أنني عنيت فلم أكسل ولم أتبلد متى يتجدد ما حصل بين رافع بن خديج وسمرة بن جندب رضي الله عنهما وهما صغيران في السن عندما تصارعا؛ ليفوز أحدهما بشرف الالتحاق بجيش النبي عليه الصلاة والسلام لمحاربة كفار قريش في غزوة أحد؟! نريد المبادرة التي كانت من قبل حين رأينا الشباب يستبقون إلى الموت، فضلاً أن يستبقوا إلى ميادين العلم أو الدعوة وهم في سن نعدها اليوم سناً صغيرة، ما بين قائد لجيوش في السابعة عشرة أو التاسعة عشرة وما بين مفت للأمة كـ الشافعي وهو في التاسعة عشرة من عمره، وهناك شباب كثيرون ملئت بهم صفحات تاريخنا، واليوم يبلغ الرجل الأربعين والخمسين وهو لا يقدم شيئاً ولا يعطي شيئاً.

السادس: الهمة ارتقاء: وما لم تكن هناك همم عالية طموحة فلن تثمر جداً، ولن تنبت استقلالاً، ولن تنشئ مبادرة، فلابد أن نشحذ تلك الهمم في نفوس الشباب، وأن نذكي نارها في قلوبهم، وأن نجعلهم أصحاب طموح كما كان ربيعة بن كعب: (لما قال له النبي صلى الله عليه وسلم: سل حاجتك؟ قال: أسألك مرافقتك في الجنة).