للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

[تاريخ تدوين الحديث]

أول ما بدأ تدوين الحديث أن أمير المؤمنين عمر بن عبد العزيز أمر بذلك عندما زالت العلة التي من أجلها كان النهي، فقد دونت المصاحف، وكثر حملة القرآن، وأمن أن يخلط بغيره؛ فأمر عمر بن عبد العزيز بتدوين السنة وكتابتها، وتجرد لذلك عدد من الرجال منهم: محمد بن مسلم بن شهاب الزهري، وكان من أحفظ هذه الأمة، وكان لا يرى كتابة الحديث في البداية، ولكنه اقتنع أخيرًا بكتابته، ويقال: إنه لم يقتنع بكتابته في أيام عمر بن عبد العزيز وإنما اقتنع في أيام هشام بن عبد الملك؛ وذلك أن هشامًا دعاه فجلس معه على فراشه، وجعل رجالاً من وراء الستر، وأمرهم أن يكتبوا كل حديث يحدثه به الزهري، فقال له هشام: إني أريد أن تحدثني بأربعمائة حديث عن النبي صلى الله عليه وسلم بإسنادك فيها، فأمسك بيده فحدثه بأربعمائة حديث يعدها، وكتبها أولئك الرجال، فتركه سنة ثم دعاه إلى مجلسه وخلا به، فقال: أريد أن تعيد علي ما حدثتني به العام الماضي فإني قد نسيته، وأمر رجالاً أن يكتبوا أيضًا من وراء الستر، فحدثه بالأحاديث كما هي بترتيبها، ولم يقدم واحدًا ولم يؤخره ولم يغير منها شيئًا، فقارن أمير المؤمنين هشام بين ما كتبه الرجال في العام الماضي وما كتبه هذا العام فلم يجد أي فرق، فعرض ذلك على الزهري، ومن هنا اقتنع الزهري بكتابة الحديث.

بدأ تدوين وكتابة الكتب من ذلك العصر، ولكن إنما ألفت بأسماء وتصانيف وبوبت في أيام أتباع التابعين، واختلف في أول من ألف، لكن اشتهر في كل مدينة بعض المؤلفين، ففي مكة عبد الملك بن جريج، وفي المدينة مالك بن أنس، وفي العراق هشيم الواسطي، وعبد الملك بن صبيح، ويزيد بن هارون، وسفيان الثوري وأضرابهم، واشتهر بالشام الأوزاعي، وبمصر الليث بن سعد.

هؤلاء أوائل من ألفوا، ولم يصل إلينا من مؤلفاتهم إلاّ موطأ مالك.