للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

[أهمية الدعاء]

وقد كان دأب سلف الأمة الصالح في مختلف العصور والقرون، أنهم كانوا يلتمسون الدعاء ممن يظنون بهم الخير والصلاح، ويوصون المسافرين والحجاج والعمار على الدعاء، ويوصون الخارجين للجهاد في سبيل الله أو المرابطين في الثغور بالدعاء.

وهذا يقتضي أن يهتم الناس بالدعاء وأن يعلموا مكانته الشرعية، فضعفاء الناس يظنون أنهم لا دور لهم في الأمة ولا مشاركة لهم في الجهاد في سبيل الله، ومع ذلك إنما ينصر المسلمون بهم كما قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (إنما تنصرون بضعفائكم)، فهؤلاء الضعفاء ينبغي أن تعظم وتفخم مكانتهم حتى لا يغفلوا عنها.

ومع الأسف أن الأمة اليوم كلها ضعفاء وسلاحها هو الدعاء، وعليها أن لا تتركه بحال من الأحوال وأن تجتهد فيه لله سبحانه وتعالى، ولعلها تنصر بدعاء المستضعفين منها، ولذلك بين الرسول صلى الله عليه وسلم أن دعاء هؤلاء يرفع به البلاء، فقال: (لولا صبيان رضع، ومشايخ ركع، وبهائم رتع؛ لصب عليكم العذاب صباً)، هذه هي أهم الوسائل، وهذه الثلاث متفق عليها والدلالة عليها من النصوص من القرآن والسنة واضحة، ولا خلاف فيها بين أهل العلم إلا الخلافات التي لا تعتبر ولا يعتد بها.

وقد حذر رسول الله صلى الله عليه وسلم من الاستعجال في الدعاء، فقال: (يستجاب لأحدكم ما لم يتعجل يقول: قد دعوت ودعوت فلم يستجب لي)، فعلى الإنسان أن يجتهد في الدعاء وأن يتقرب بذلك لله سبحانه وتعالى، وأن يعلم أنه لا يضيع، فإما أن يستجاب له عاجلاً، وإما أن يدخر له ذلك عند الله سبحانه وتعالى، وإما أن يرفع به عنه البلاء، فالدعاء يصطرع مع البلاء في السماء ولا يرد القدر إلا الدعاء، وهذه مزيته، فهذا الدعاء من قدر الله، ويرد كثيراً من أقدار الله سبحانه وتعالى الواردة.

كثير من الناس لا يظن أنه يستغفر استغفاراً فيرفع به عنه سرطان أو بلاء عظيم جداً، أو يرفع به عن الأمة بكاملها ضرر لاحق، سواء كان ضرراً في الدين أو ضرراً في الدنيا، فمثلاً: اللوثات الدينية التي تحصل في المجتمعات من الانحلال الخلقي أو الانحراف العقدي أو نحو ذلك، هي أوبئة وأمراض تنزل من السماء فتصيب الأمم لكنها ترفع بهذا الدعاء.

وكذلك فإنه سبب من الأسباب التي لا ترد، فكثير من الناس ييأس إذا نفذت عليه أسباب الدنيا في الرزق أو في الدعوة أو في العلم وينقطع، ويظن أن الأمر قد أغلق أمامه وأن الطريق قد سد عليه، لكنه ينسى هذا الجانب المهم من سلاحه.

وقد شاهدت أن بعض الناس يجتهد في محاولة هداية بعض الأشخاص والأخذ بزمامهم إلى الخير، فيعمل معهم جميع أنواع الحيل فلا يستجيبون لها، فإذا انقطعت أسبابه قيل له: بقي أمامك نصف الطريق وهو أن تجتهد لهم في الدعاء لعل الله يهديهم على يديك، فما جربت هذه إلا هدي بها ذلك الإنسان.

كثير من الناس يظن أنه إذا بذل الأسباب فما نجحت انتهى الأمر، وينسى هذا الجانب الآخر حتى مع أولاده، ومع المدعوين الذين يريد هدايتهم، ومع جيرانه وغيرهم.