للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

[القبر أول منازل الآخرة]

والموت ليس بفناء محض، لكنه انتقال من حال إلى حال وخروج من دار إلى دار، وبه ينتقل الإنسان من هذه الدار إلى الدار الآخرة، وأول منازلها القبر، وهو أعظم من كل ما قبله، وأعظم منه كل ما بعده.

فلحظة واحدة في القبر يتبين للإنسان فيها كثير مما لم يكن يخطر له على بال، {وَبَدَا لَهُمْ مِنَ اللَّهِ مَا لَمْ يَكُونُوا يَحْتَسِبُونَ} [الزمر:٤٧]، فهو أعظم من كل ما قبله، وكل ضيق يدخله الإنسان في هذه الدنيا فالقبر أضيق وأشد منه.

وأعظم منه كل ما بعده؛ لأنه أول منزلة من منازل الآخرة، فيهون إذا تذكر ما بعده، وقد جاء في الأثر (ليلتان لم تسمع الخلائق بمثلهما، ليلة يبيت مع الموتى ولم يبت معهم قبلها، وليلة صبيحتها يوم القيامة).

فالليلة التي يبيت فيها الإنسان مع الموتى ولم يبت معهم قبلها ليلة عظيمة جداً، تنكشف له فيها كثير من الأمور التي لم تكن تحصل له، وقد صح عن النبي صلى الله عليه وسلم: (إن هذه القبور مظلمة على أهلها موحشة، وإن الله ينورها بصلاتي عليهم).

وأول ما يلقاه الإنسان في قبره ضمة القبر التي تختلف منها الأضلاع وتزول منها الحمائل، فهي أول مشهد بعد نزع الروح؛ وهناك مشهد قبله، وهو إتيان ملك الموت لينتزع الروح، وسيراه الإنسان عياناً، وفي حال النزع يأتيه الفتان إن لم يكن ممنوعاً من ذلك.

فمن الناس من يمنع الفتان كالمرابط في سبيل الله، ومن قتل شهيداً في سبيل الله، وأما من سواهم فيأتيه الفتان فيقول له: مت على دين اليهودية، مت على دين النصرانية، ويريه صورة أبويه وغير ذلك مما يفتنه، فمن ثبته الله تعالى بالقول الثابت في الحياة الدنيا فسيختم بخير، ولهذا قال الله تعالى: {يُثَبِّتُ اللَّهُ الَّذِينَ آمَنُوا بِالْقَوْلِ الثَّابِتِ فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَفِي الآخِرَةِ وَيُضِلُّ اللَّهُ الظَّالِمِينَ وَيَفْعَلُ اللَّهُ مَا يَشَاءُ} [إبراهيم:٢٧].