للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

[أدلة وجوب الإيمان بعذاب القبر]

هنا أضفت بيتاً ذكرت فيه بعض الأمور المتعلقة بيوم القيامة.

مما يجب الإيمان به أيضاً وجاءت به النصوص ولم يذكره الشيخ هنا وإن كان أجمله فيما سبق وذكره في الخاتمة، فقلت: [حق عذاب القبر والأشراط والبعث بعد الموت والصراط] أي أن عذاب القبر مما يجب الإيمان به؛ لأن رسول الله صلى الله عليه وسلم أعلنه للناس على المنبر وتواتر عنه ذكره، (وقد كانت عائشة رضي الله عنها لا تعلم به حتى أتاها عجوزان من اليهود، فلما قامتا استعاذتا بالله من عذاب القبر، قالت عائشة: فأنكرت عليهما ولم أنعم أن أصدقهما، فدخل علي رسول الله صلى الله عليه وسلم فسألته فقال: نعم أعوذ بالله من عذاب القبر)، فبين لها أن عذاب القبر حاصل.

وقد اختلف فيه هل هو يشمل المؤمنين من العصاة والكفار، أو هو مختص بالمرتابين والمرتدين، لأن ظاهر حديث أسماء في سؤال الملكين، في خطبة الرسول صلى الله عليه وسلم بالكسوف، أن المنافق والمرتاب هو الذي يجيب الملائكة بهاه هاه لا أدري، كنت سمعت الناس يقولون شيئاً فقلته، ويضربانه بمرزبة.

لكن الجواب عن هذا أنه لا ترابط بين فتنة القبر وبين عذاب القبر، فعذاب القبر يحصل حتى من دون فتنة، ومذهب جمهور العلماء أن الذين ماتوا على الكفر لا يسألون في قبورهم، وإنما يعذبون فيها، ولهذا ففتنة القبر مختلف فيها هل هي من خصائص هذه الأمة؛ لأن الذي يسأل عنه في القبر هو محمد صلى الله عليه وسلم، ولم يرد مثل ذلك في الأمم السابقة، ولذلك قالت طائفة: هي من خصائص أمة محمد صلى الله عليه وسلم.

وأما عذاب القبر فإنه في الأمم السابقة، ولهذا قال الله تعالى في عذاب آل فرعون: {النَّارُ يُعْرَضُونَ عَلَيْهَا غُدُوًّا وَعَشِيًّا} [غافر:٤٦]، أي في قبورهم، {وَيَوْمَ تَقُومُ السَّاعَةُ أَدْخِلُوا آلَ فِرْعَوْنَ أَشَدَّ الْعَذَابِ} [غافر:٤٦]، وكذلك قال تعالى: {وَلَنُذِيقَنَّهُمْ مِنَ الْعَذَابِ الأَدْنَى دُونَ الْعَذَابِ الأَكْبَرِ} [السجدة:٢١]، فالعذاب الأدنى هو عذاب القبر والعذاب الأكبر هو عذاب النار، نسأل الله السلامة والعافية.

وقد ثبت تعذيب أصحاب القليب الذين قتلوا يوم بدر على الكفر في قبورهم، وكذلك تعذيب اليهود الذين ذبحهم رسول الله صلى الله عليه وسلم في غزوة بني قريظة، فقد صح أنه كان ليلة في ملأ من أصحابه فسمعوا أصواتاً مروعة، فقال: (تلك يهود تعذب في قبورها)، وقد خرج ابن عمر في سفر بين مكة والمدينة، فمر ببدر وحده في السفر ذات ليلة، فخرج إليه رجل من قبره فقال: يا عبد الله اسقني، فتبعه ملك فجره بعنف وقال يا عبد الله لا تسقه، فأصيب ابن عمر بحمى شديدة، فنهى رسول الله صلى الله عليه وسلم عن الوحدة في السفر بعد ذلك.

وعذاب القبر لا شك أنه متفاوت، فالذين يمنعون الزكاة يعذبون بشجاع أقرع في قبورهم، ومن الناس من يعذب بالحيات والتنانين، ومنهم من يعذب بنتن الرائحة، ومنهم من يعذب بالعطش وغير ذلك.

وهذا العذاب من أغرب ما فيه أنه في القبر الواحد تختلط عظام من هو في غاية النعيم ومن هو في غاية العذاب، فلا هذا يصل إليه شيء من نعيم هذا، ولا هذا يحس بشيء من عذاب هذا.