للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

[من ثمرات الإيمان ومصالحه]

واضح جداً أن الإيمان لمصلحة العقل، وأن هذه هي مجالات العقل الكبرى التي ينطلق منها، فهذه المجالات الكبرى التي ينطلق منها العقل فيها كثير من التفصيلات، وكثير من الجوانب المتعددة، فهذه الجوانب في أخذ الديانة المنزلة من عند الله تعالى لم تمحض وحدها، ومن حكمة الله وسنته ألا يفصل هذه العلوم ويجعل كل علم منها كتاباً مستقلاً أو لوحاً مستقلاً؛ لأن ذلك يقتضي عدم التكامل في العامل البشري، لو أنزل علينا هذا القرآن فيه سورة متخصصة في الإيمان، وسورة متخصصة في العبادة، وسورة متخصصة في البيوع، وسورة متخصصة في الأنكحة، ليس فيها سوى ذلك؛ لكان كثير من الناس ناقص التوازن، الذي قرأ سورة الإيمان فقط ستكون عباداته باطلة، ومعاملاته باطلة، ولن يستطيع الإنسان حينئذ الإحاطة بالجميع، وهذا هو حالنا اليوم إذ يندر جداً أن يحيط الإنسان بالقرآن بحروفه وحدوده، فلابد من إشكالات تواجهه، وتبقى كثير من الأمور لا يستوعبها.

من هنا كان من حكمة الله سبحانه وتعالى أن تكون الآية الواحدة من القرآن جامعة لكل هذه المجالات، وألا يتمحض فيها علم من العلوم، فلا يمكن أن يقال: إن السورة الفلانية متخصصة في العلم الفلاني؛ في الفقه أو في الأصول أو في أي علم من العلوم، وهذا وجه من أوجه الإعجاز في هذا القرآن الكريم، فليس هو كتاب تخصصات، وإنما هو كتاب مستوعب لمختلف التخصصات، في كل آية منه تجد كل هذه الأمور، حتى الأوامر والنواهي تكون مرتبطة بالوعد والوعيد المرتبط بالإيمان، المرتبط بمشاهد القيامة، المرتبط بخطاب العواطف، المرتبط بخطاب العقل، فيكون الإنسان مخاطباً مشدوداً لكل الجوانب في آية واحدة: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا كُتِبَ عَلَيْكُمُ الصِّيَامُ كَمَا كُتِبَ عَلَى الَّذِينَ مِنْ قَبْلِكُمْ لَعَلَّكُمْ تَتَّقُونَ} [البقرة:١٨٣]، كم استوعبت هذه الآية من العلوم؟ (كتب عليكم الصيام): هذا تكليف رباني، وتحديد الصيام الذي هو من العبادات.

(كما كتب على الذين من قبلكم): إرجاع وربط بالماضي والتاريخ البشري.

(لعلكم تتقون) هذا فيه مخاطبة الإيمان والعاطفة في الإنسان، وتنبيهه إلى أنه إذا استطاع أن يمنع نفسه مما أحل الله له فإنه يستطيع أن يمنعها مما حرم الله عليه، وبهذا يتعود على التقوى، وفيه تنبيه له على التربية وأهميتها في حياته، وأنه بالتدرج يمكن أن يصل إلى أعلى المستويات، كل هذا ارتبط في آية واحدة، واجتمع فيها كل هذه الأمور بالإضافة إلى ما سواه من العلوم التي لا حصر لها.

لكننا في غمرة حياتنا احتجنا إلى أن نفصل هذه العلوم فصلاً لا يقتضي أن يكون كل واحد منها على حدته علماً مستقلاً متكامل الجوانب لا يحتاج إلى ما سواه، وإنما لضرورة تفاوت انشغالات الناس، وتفاوت أذهانهم، يبين لهم العلم الذي هم أحوج إليه ليشتغلوا به، ولا ينبغي أن يتمحض الإنسان في تخصص واحد من هذه التخصصات، فإذا كنا نقرأ الآن درساً في الإيمان، فليس معناه أن نعطل دروسنا الأخرى، وأن نترك الاستفادة من كل الكتب الأخرى أو المجالات المختلفة، بل لابد من التكامل، وألا نغفل عن الجميع.

وبهذا نكون قد عرفنا حد العلم.