للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

[تسمية علم العقائد]

إن الناس يتفاوتون في تسمية هذا العلم: فمنهم من سماه بالتوحيد، وهذا من تسمية الشيء باسم بعضه، مثل تسمية الإنسان بالرقبة، فيقال: تحرير رقبة، ولا يقصد بها الرقبة وحدها بل الإنسان بكامله، وكذلك في الحيوان تقول: رأس من الغنم، رأس من البقر، ولا يقصد به الرأس وحده إنما يقصد به كامل البدن.

والتوحيد هو رأس ما يدرس في هذا العلم؛ لأنه الإيمان بالله وهو الركن الأول من أركان الإيمان الستة، فتوحيد الله سبحانه وتعالى هو أحد هذه الأركان الستة وهو أهمها وأولها، فسمي هذا العلم بكامله باسم جزئه.

التسمية الثانية: تسميته بعلم الاعتقاد، وهذه التسمية وإن كانت أشمل من سابقتها؛ لأنها تشمل ما يجب اعتقاده في حق الله وفي حق الرسل وفي حق الملائكة، وكذلك تفصيلات القدر واليوم الآخر والكتب المنزلة وغير ذلك، إلا أنها لا تتناول إلا القطعيات فقط، فإن الاعتقاد إنما يشمل ما هو قطعي، لأنه لا ينبغي أن يكون فيه شك، ويمكن أن تكون المسألة من الاعتقاد ومشكوك فيها أن الصواب كذا أو الصواب كذا، فيكون فيها خلاف، وعليه فإن مسائل هذا العلم ليست كلها قطعية، بل فيها كثير من الظنيات وفيها كثير من المسائل الخلافية التي سنتحير فيها ونتوقف، ومرجع ذلك إما إلى صحة دليل وعدم صحته أو تعارض أدلة، أو أن الأمر لم يرد فيه نص أصلاً وأحيل الاجتهاد فيه إلى العقول، وهذه المسائل تبع للمسائل القطعية الثوابت، فالمسائل القطعية هي التي حسمها الوحي، والمسائل الظنية هي التي لم يحسمها الوحي، فالمسائل القطعية هي الاعتقاد ويجب على كل المسلمين أن يتفقوا فيها وأن يعتقدوا هذا المعتقد ولا يحل المخالفة فيه.

المسائل الأخرى التي هي ظنون وعليها أدلة لكل من الجانبين، ولا يمكن الحسم فيها؛ هذه ليست من الاعتقاد، إنما هي أمور فيها خلافات مثل مسائل الفقه.

ففروع الأصول هي فروع علم الاعتقاد وهي كثيرة جداً، وسيتبين لنا أن كثيراً من المسائل التي ندرسها في هذا العلم ليست من الاعتقاد لأنها محل خلاف، وهذه من أمثلتها قضية التوسل بشخص النبي صلى الله عليه وسلم، فهي مسألة فيها خلاف وليس فيها حسم قاطع، فلذلك هي من المسائل التي هي ظنية فقط، ولذلك كان الأولى ألا تدخل في الاعتقاد، ولا يقال من المسائل العقدية؛ لأنها مسألة فقهية وهكذا.

والتوسل به صلى الله عليه وسلم يشمل التوسل به بعد موته أو في حياته، والخلاف في التوسل بشخصه وليس بدعائه، فالتوسل بشخصه في حياته وبعد موته كله محل خلاف؛ لأن التوسل به في حياته إنما هو توسل بدعائه، لكن التوسل به في حياته في غيبته مثلاً توسل بشخصه، وهو مثل التوسل به بعد موته؛ لأنه هو حي في قبره حياة برزخية، ولا يمكن أن يدعو هذا الدعاء، والمسألة سنذكر إن شاء الله بعض تفصيلاتها، وهي طويلة لأنها تدخل فيها تقريباً ست مسائل، وكل مسألة منها يمكن أن نذكر فيها خلافاً ونذكر فيها أدلة.

إذاً تسميته بعلم الاعتقاد عليها هذا المأخذ.

ويسميه بعض الناس أيضاً بعلم الكلام: والمقصود بذلك العلم المتعلق بكلام الله، وذلك أن مسألة كلام الله من أوليات المسائل التي حصل فيها الخلاف بين هذه الأمة، واشتهر فيها تفرق الفرق، فمن أجل ذلك كثرت الكتب المؤلفة فيها، وكثرت الفرق المختلفة على أساسها، فسمي هذا العلم باسمها، وهي تسمية للشيء باسم بعضه أيضاً، فالكلام صفة واحدة من صفات الله سبحانه وتعالى التي تدخل كلها في قسم واحد من أقسام التوحيد؛ لأن الأسماء والصفات قسم من أقسام التوحيد التي سنذكرها، وهذه صفة واحدة من الصفات، فسمي بها العلم كاملاً.

كذلك من تسميات هذا العلم تسميته: بعلم الأصول، سواءً كانت بالإطلاق أو بالإضافة فيقال: أصول الدين ويقال: (الأصول) مطلقة، فهذه التسمية في الأصل للمعتزلة، وهم أول من فعلها؛ لأن لديهم أصولاً يمتحنون الناس على أساسها، وهي أصولهم المعروفة التي هي: التوحيد والعدل والمنزلة بين المنزلتين والأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، فهذه مسائلهم التي هي أصولهم، سموها بالأصول وسموا هذا العلم باسمه، لكن تبعهم كثير من المتكلمين في هذه التسمية وسموا هذا العلم أيضاً علم أصول الدين، ويقابلون به علم أصول الفقه، جعلوا الدين منقسماً إلى أصول وفروع، فالفروع هي أعمال البدن الظاهرة، والأصول هي أعمال القلب، وذلك أن أعمال البدن مبنية على أعمال القلب؛ لأن الدافع من وراء أي عمل هو دافع عقدي، وكل عمل ليس من ورائه دافع عقدي يقتضيه فإنه مبني على غير أساس، فالصلاة إذا لم تكن عن قناعة بصدق ما جاء به الرسول صلى الله عليه وسلم لا فائدة فيها؛ لأنها مبنية على غير أساس، فأساس كل الأعمال التمييز بين الحلال والحرام، فتكون العبادة والمعاملة على أساس الاعتقاد، فإذا اختل هذا الأصل فإنه على شفا جرف هار حتى لو أحسن في الأعمال الأخرى وجاءت محكمة مائة بالمائة؛ لأنها ليس لها أصل، فمن أجل ذلك سموه بأصول الدين.

هذه هي أهم تسميات هذا العلم.