للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

[من الشرك النذر لغير الله]

قوله: (أو تنذروا لصالح أو لولي): كذلك من الشرك النذر لغير الله سبحانه وتعالى، والنذر في الأصل عبادة يلتزمها الإنسان تقرباً إلى الله سبحانه وتعالى، وقد شرعها الله تعالى لعباده فقال تعالى: {وَلْيُوفُوا نُذُورَهُمْ وَلْيَطَّوَّفُوا بِالْبَيْتِ الْعَتِيقِ} [الحج:٢٩]، وقال تعالى: {يُوفُونَ بِالنَّذْرِ وَيَخَافُونَ يَوْمًا كَانَ شَرُّهُ مُسْتَطِيرًا} [الإنسان:٧].

وقد نهي عن أنواع من النذر، منها: النذر المعلق، وهو أن يعلق الإنسان نذراً على قضاء حاجة من حوائجه، كبرئه من سقم، أو قدوم مريض، أو أن يولد له ولد أو نحو ذلك، فيكره أن ينذر نذراً معلقاً على أمر، وقد نهى عنه رسول الله صلى الله عليه وسلم، وذكر أنه لا يردُّ من قدر الله شيئاً وإنما ينتزع الله به من يد البخيل، وما كتبه الله سيقع، فالذي ينذر النذر المعلق حكم على نفسه بأنه بخيل في تعامله مع الله، نسأل الله السلامة والعافية.

كذلك النذر المكرر، كنذر صوم الإثنين أو الخميس أو نحو ذلك، فهذا النذر يكره لأنه قد يشق على الإنسان وقد يأتي وقت لا يستطيع أداءه فيه.

وأيضاً: فإنه يشبه صورة التعبد بإيجاب شيء لم يوجبه الله، وهذا من أمر الجاهلية، ولهذا قال الله تعالى: {إِنَّمَا النَّسِيءُ زِيَادَةٌ فِي الْكُفْرِ} [التوبة:٣٧] وفي قراءة أخرى: (إنما النسي زيادة في الكفر) {يُضَلُّ بِهِ الَّذِينَ كَفَرُوا يُحِلُّونَهُ عَامًا وَيُحَرِّمُونَهُ عَامًا لِيُوَاطِئُوا عِدَّةَ مَا حَرَّمَ اللَّهُ فَيُحِلُّوا مَا حَرَّمَ اللَّهُ زُيِّنَ لَهُمْ سُوءُ أَعْمَالِهِمْ} [التوبة:٣٧]، فهذا النسيء كان أهل الجاهلية ينسئون الشهور، فيجعلون الشهر الحلال حراماً، والحرام حلالاً، فإذا أرادوا الحرب في الأشهر الحُرم أخروها إلى الأشهر الحل، فيشرعون ما لم يأذن به الله، فيكون هذا تشريعاً لما لم يأذن به الله، وهذا ما يفخرون به، حيث يقول شاعرهم: ونحن الناسئون على معدٍّ شهور الحل نجعلها حراماًً فرد الله تعالى هذا النسيء، وقال رسول الله صلى الله عليه وسلم في العام العاشر من الهجرة: (إن الزمان قد استدار كهيئته يوم خلق الله السماوات والأرض)، ففي العام التاسع كانت الحجة في شهر محرم بدلاً من ذي القعدة.

وفي العام العاشر حج النبي صلى الله عليه وسلم، ولم يحج حتى استدار الزمان ورجع النسيء وأبطل، وهذا هو سبب عدم حج النبي صلى الله عليه وسلم في العام التاسع، وتوليته لـ أبي بكر على الحج في ذلك العام، فإن الحج لم يكن في وقته، وإلا لو كان في وقته لحج النبي صلى الله عليه وسلم في العام التاسع.

حتى في العام الثامن لم يحج مع أنه اعتمر في شهر ذي القعدة من العام الثامن بعد فتحه لمكة عندما رجع من الطائف، فإنه اعتمر من (الجعرانة) ولم يحج في تلك السنة، ولم يؤمر أميراً على الحج إلا عتاب بن أسيد الذي أمره على مكة، فأقام عتاب الحج للناس، وهي أول حجة في الإسلام، ثم في العام التاسع حج أبو بكر بالناس، ثم أردفه رسول الله صلى الله عليه وسلم بـ علي بن أبي طالب ليبلغ سورة البراءة، فإنها أنزلت عليه بعد ذهاب أبي بكر وقال: (لا ينبغي أن يبلغها عني إلا رجل من أهل بيتي)، ثم في العام العاشر حج رسول الله صلى الله عليه وسلم حجة الوداع.

أما النذر للمخلوق للتقرب إليه، فإنما يحصل من اعتقاد أنه ينفع أو يضر، وهذا قد سبق أنه من أنواع الشرك؛ فلذلك لا يمكن أن يكون هذا مقبولاً شرعاً، ولو فعله الإنسان ووقع فيه لم يلزمه شيء.

والفرق بين الصالح والولي: أن الصالح من صلحت المعاملة بينه وبين الله، وبينه وبين الناس على قدر الإمكان.

والولي هو من اتخذه الله ولياً من أوليائه ولم يجعله عدواً من أعدائه.

فبينهما عموم وخصوص، وقد اشتهرت هاتان الكلمتان على ألسنة العوام، يقولون: فلان صالح وفلان ولي؛ ولذلك صرح الشيخ بهما معاً ليرد هذه الأفكار الشائعة في عوام الناس.