للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

[ذكر نماذج لاعتناء نساء المغرب العربي بالعلوم]

وكان للنساء كذلك المشاركة الواضحة في هذا الباب، فعندما قال محمد مولود بن أحمد رحمه الله: حنانك ذا الحنان لمن يروم شفاء حيث تطلع النجوم إلى أن يقول فيها: إذا ابتسمت بعيد النوم وهنا وقد خلفت مباسم من ينوم يلوح البرق ثم يبوح مسكٌ فحسبك ما تشم وما تشيم فقال: (ينوم)، قال له أحد العلماء المعاصرين له، وهو العلامة عبد الودود بن عبد الله إن (نام) مضارعها (ينام) فلم يجد شاهداً يشهد لقوله، لكنه اقتنع بأنه موافق للسليقة وأن ما قاله لابد أن يكون لغة بعض العرب، وكانت أخت زوجته مغتربة في أرضٍ بعيدة، فكانت ذات يومٍ تطالع كتاب معجم الشعراء الأدباء للمرزباني فقرأت فيه قول الشاعر: أكابد من تماضر برح همٍ وذو التهيام عزك أن ينومَ فإذا هو شاهدٌ في عين المسألة فأرسلت به راكباً حتى أتاهم به.

وكذلك فإن ابنة هذا الرجل وهي سكينة رحمها الله، أتاها ضيوف في عام من الأعوام التي كانت تمر بأهل هذه البلاد من القحط والجدب، فقدمت لهم رسل نوقٍ لديها، فأنشد الضيف رفيقه قول ابن مالك رحمه الله في النعت: ونعتوا بجملة منكراً فأعطيت ما أعطيته خبرا وامنع هنا إيقاع ذات الطلب فالجملة الطلبية لا ينعت بها، وإذا نعت بها فإن ذلك على تقدير قولٍ مضمرٍ وشاهد ذلك قول الراجز: بتنا بحسان ومعزاه تئط من لبن لها وسمن وأقط حتى إذا جنَّ الظلام واختلط جاءوا بمذقٍ هل رأيت الذيب قط فلم يذكر الشاهد وإنما ذكر قول ابن مالك: وامنع هنا إيقاع ذات الطلب ففهمت أنهم يقصدون الشاهد على هذه القاعدة، فقالت: كلا والله ما مسه ماءٌ ولكنه رسل نوقٍ ليس لها مرعى إلا ماء ضبة، فعرف الرجل أنها فهمت المسألة قبل أن يفهمها رفيقه.

ونظير هذا ما حصل لزوجة العلامة محمد فال بن بابا بن أحمد بيبا رحمها الله، فإن رجلاً من الطلاب كتب لها بعد قدوم محمد فال من سفر كان سافره: لا يرفع المريد للأشياخ من حاجاته إلا الذي منها بطن ورفعه الظاهر نزر ومتى عاقب فعلاً فكثيراً ثبتا فأرسلت إليه بكحل وكان هذا جواب البيتين، لأنه هو يريد مسألة الكحل في ألفية ابن مالك وهي: ما رأيت رجلاً أحسن في عينه الكحل منه في عين زيد، وهذه المسألة هي التي يقول فيها ابن مالك في أفعال التفضيل: ورفعه الظاهر نزر ومتى عاقب فعلاً فكثيراً ثبتا كلن ترى في الناس من رفيق أولى به الفضل من الصديقِ ففهمت هذا بهذا اللغز، ونظير هذا كثير جداً، مما يقتضي منا المحافظة على مثل هذه القيم، وهذا التراث العريق الذي نحن بحاجة إليه، والأمة بحاجة كذلك إلى من يقوم بحفظ تراثها ونشره بين الناس.

وصلى الله على سيدنا محمد وعلى آله وصحبه وسلم تسليماً كثيراً.