للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

[اختلاف القائلين بزيادة الإيمان في معنى ذلك]

لكن المشكلة أن القائلين بزيادة الإيمان اختلفوا في المقصود بزيادة الإيمان التي تتعلق بالزيادة والنقص: فقالت طائفة: الزيادة والنقص إنما يقعان في نور القلب تبعاً للعمل، فمن كثرت طاعاته ازداد نور الإيمان في قلبه، ومن كثرت معاصيه انتقص نور الإيمان في قلبه، وعلى هذا فالزيادة والنقص على قدر زيادة العمل ونقصه، فالعمل الصالح يزيد الإيمان بزيادته وينقص بنقصه، والعمل الفاسد يزيد الإيمان بنقصه وينقص بزيادته.

ودليل هذا أنه ذكرت معه الأعمال، كما في حديث شعب الإيمان، وكحديث: (من قام رمضان إيماناً واحتساباً)، (ومن صام رمضان إيماناً واحتساباً)؛ فدل هذا على أن زيادة الإيمان تتعلق بالعمل نفسه.

القول الثاني: أن المقصود بزيادة الإيمان زيادة أجزاء ما يؤمن به الإنسان، فالإنسان في بداية معرفته بالله لا يعرف كثيراً من التفاصيل فيؤمن بأشياء قليلة، وكلما ازدادت معرفته بالله ازداد إيمانه، بمعنى: ازدادت أجزاء ما يؤمن به على ما كانت قبل ذلك، ولذلك فإن قول الله تعالى: {وَإِذَا مَا أُنزِلَتْ سُورَةٌ فَمِنْهُمْ مَنْ يَقُولُ أَيُّكُمْ زَادَتْهُ هَذِهِ إِيمَانًا فَأَمَّا الَّذِينَ آمَنُوا فَزَادَتْهُمْ إِيمَانًا} [التوبة:١٢٤]، لأنهم كانوا يؤمنون بالسور التي سبقت، وقد زاد ذلك بهذه السورة فآمنوا بها أيضاً، فازداد عدد ما يؤمنون به، وعلى هذا فإنها تزيد جزئيات ما يؤمنون به.

وأهل الإيمان كلما تعلموا شيئاً مما جاء به النبي صلى الله عليه وسلم ازداد إيمانهم بذلك؛ لأنهم يؤمنون بتصديقه بهذه المسألة بعينها، كما قال أبو بكر: (إن كان قالها فقد صدق)، ولهذا إذا سمعت أي خبر يتعلق باليوم الآخر وعرفت صحته فقد ازداد إيمانك بتلك الجزئية؛ لأنك كنت تؤمن من قبل لكن كان إيمانك بالتفصيل فيما يتعلق باليوم الآخر يتعلق بما تعرفه فقط ولا يتعلق بما تجهل إلا إجمالاً، وقد عرفت بعض تلك الجزئيات فزاد إيمانك؛ لأنه زادت أفراد ما تؤمن به.

القول الثالث: أن المقصود بزيادة الإيمان قوته وتمكنه من القلب، وسمي ذلك زيادة مجازاً، والإيمان هو الإيمان، لكن بعض الناس يكون هذا الإيمان راسخاً فيه يباشر بشاشة قلبه ويتأثر به تأثراً بالغاً ويبقى معه دائماً، فيتصف بصفات الإيمان ومقتضياته من الأمانة، لقول النبي صلى الله عليه وسلم: (لا إيمان لمن لا أمانة له)، ومن تمام خلقه لقوله: (أكمل المؤمنين إيماناً أحسنهم خلقاً) وغير ذلك، فيكون الإيمان صفة راسخة في النفس.

والمقصود بنقصه أن يكون هذا الإيمان لم يرسخ بعد في النفس، فلم يؤثر تأثيراً بالغاً، فهو صبغة الله، ولا شك أن صبغة البياض مثلاً يتفاوت فيها المصبوغ، فمن المصبوغات ما يثبت فيه اللون ولا يسقط عنه ولا يغسله الماء، ومن المصبوغات ما يسقط لونه الماء أو ينقصه، فكذلك الناس يتفاوتون في الإيمان بحسب الصبغة، ولهذا عرف الله تعالى هذا الدين بأنه الصبغة بقوله: {صِبْغَةَ اللَّهِ وَمَنْ أَحْسَنُ مِنَ اللَّهِ صِبْغَةً وَنَحْنُ لَهُ عَابِدُونَ} [البقرة:١٣٨]، بعد ذكره للإيمان به.

وهذه الأقوال الثلاثة يمكن الجمع بينها جميعاً فيكون كل هذا مقصوداً بزيادة الإيمان ونقصه.