للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

[اشتراط المتابعة في أعمال الإيمان]

قوله: (في سنة)، معناه: بموافقة لما شرع الله؛ لأن الإيمان عمل صالح والعمل الصالح له ركنان: أحدهما: الإخلاص.

والثاني: المتابعة والموافقة لشرع الله.

والمقصود بالسنة طريقة الأنبياء، والسنة في اللغة تطلق على الصبيب من كل شيء ومنه قول غيلان ذي الرمة: تريك سنة وجه غير مقرفة ملساء ليس بها خال ولا ندب وتطلق على الطريق في الجبل فيقال: في هذا الجبل سنة تصل إلى كذا، معناه: طريق.

وتطلق على الطريقة المعنوية في الخير كانت أو في الشر، ومن إطلاقها على الخير قول الله تعالى: {سُنَّةَ مَنْ قَدْ أَرْسَلْنَا قَبْلَكَ مِنْ رُسُلِنَا} [الإسراء:٧٧]، ومن إطلاقها على الشر {سُنَّةُ الأَوَّلِينَ} [الأنفال:٣٨]، وقوله تعالى: {قَدْ خَلَتْ مِنْ قَبْلِكُمْ سُنَنٌ} [آل عمران:١٣٧]، أي: المكذبين.

وأما في الاصطلاح: فيختلف إطلاق السنة باختلاف العلم الذي تطلق فيه، فهي عند المحدثين ما أثر عن النبي صلى الله عليه وسلم من قول أو فعل أو تقرير، أو وصف خلقي أو خلقي سواءً صلح ذلك دليلاً لحكم شرعي أو لم يصلح، فهي موافقة للحديث على هذا، وقيل: الحديث أخص منها؛ لأن الحديث في الأصل يطلق على الأقوال دون الأفعال والتقريرات، والسنة تشمل كل ذلك.

وهي عند الفقهاء: صفة الفعل الشرعي المأمور به أمراً غير جازم، فالفعل الشرعي المأمور به إما أن يؤمر به أمراً جازماً فهو الواجب، وصفته الوجوب، وإما أن يؤمر به أمراً غير جازم فهذا يسمى سنة، وفي ذلك تفصيلات تذكر في الأصول، وهي التفريق بين السنة والندب والتطوع والمستحب.

وأما في علم العقائد فالمقصود بالسنة: ما يخالف البدعة، ولهذا جاءت مخالفة للبدعة ومعارضة لها في مثل قول حسان رضي الله عنه بين يدي رسول الله صلى الله عليه وسلم: إن الذوائب من فهر وإخوتهم قد بينوا سنة للناس تتبع يرضى بها كل من كانت سريرته تقوى الإله وبالأمر الذي شرعوا سجية تلك منهم غير محدثة إن الخلائق فاعلم شرها البدع ولذلك كان مالك رحمه الله يقول: فخير أمور الدين ما كان سنة وشر الأمور المحدثات البدائع والسنة هنا المقصود بها ما يخالف البدعة، فالشيخ هنا ينظم رحمه الله كلام ابن أبي زيد في الرسالة، فإنه ذكر أن الإيمان لا يتم إلا باعتقاد، ولا يتم الاعتقاد إلا بقول، ولا يتم القول إلا بعمل، ولا ينفع اعتقاد وقول وعمل إلا بنية، ولا ينفع الاعتقاد والقول والعمل بالنية إلا بمتابعة السنة، والمقصود بذلك السنة عند أهل العقائد لا السنة عند من سواهم.

قوله: (وبالعمل زيادة ونقصاً المثل احتمل)، يقول: إن الإيمان يزيد وينقص بالعمل، وقوله: (المثل احتمل)، أي: الإيمان يحتمل الزيادة والنقص، فبزيادة العمل يزداد الإيمان وبنقصه ينقص، وهذا اختيار من الشيخ للمذهب الأوسط من المذاهب الثلاثة التي ذكرناها في الكلام على زيادة الإيمان ونقصه.