للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

[فتور المؤمن في مقامات اليقين]

السؤال

الخوف والإشفاق والخشية من مراتب الإيمان، والإنسان قد تضعف عنده هذه الأمور أحياناً، فما السبب، وهل يكون ذلك من ضعف الإيمان؟

الجواب

بالنسبة للإشفاق والخوف والخشية كلها مراتب متقاربة من مراتب الإحسان، وكلها من مقامات اليقين ومن أقسام الإحسان، وليست من مراتب الإيمان.

وبالنسبة للفتور الذي يصاب به أهل الإيمان في بعض الأحيان فإنه ينشأ عن أمور متعددة، منها: أولاً: المطاعم والمشارب، فهذه كثيراً ما تؤثر في إيمان صاحبها، فكم من شربة يشربها الإنسان أو لقمة يلتقمها تعطله عن طاعة عظيمة، وقد تكون هي مباحة في حد ذاتها لكنها غير مباركة، لم يبارك الله فيها، فتقعد بصاحبها عن بعض الأعمال.

ولذلك فالبركة شيء في المطاعم والمشارب نفسها، فمثل ما نقدر نحن اليوم الفيتامينات والبروتينات في التغذية فكذلك البركات مثلها تماماً، لكننا لا نستطيع قياسها ولا نستطيع اكتشافها مثلما نكتشف البروتينات والفيتامينات.

ولهذا فإن النبي صلى الله عليه وسلم ذكر في موانع استجابة الدعاء الأكل من الحرام، قال: (إن الله تعالى أمر المؤمنين بما أمر به المرسلين فقال تعالى: {يَا أَيُّهَا الرُّسُلُ كُلُوا مِنَ الطَّيِّبَاتِ وَاعْمَلُوا صَالِحًا} [المؤمنون:٥١]، وقال تعالى: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا كُلُوا مِنْ طَيِّبَاتِ مَا رَزَقْنَاكُمْ} [البقرة:١٧٢]، ثم ذكر الرجل يطيل السفر أشعث أغبر يمد يديه إلى السماء يا رب يا رب، ومطعمه حرام وملبسه حرام وغذي بالحرام، فأنى يستجاب لذلك؟).

كذلك من أسباب هذا الفتور الاندفاع الشديد؛ لأنه يقتضي من الإنسان حصول المشقة في بدنه فتكون نفسه قد سبقت بدنه، فتبذل نفسه ما لا يستطيع البدن تحمله فتخونه قواه، وهذا ما نبه إليه الرسول صلى الله عليه وسلم في قوله: (فإن المنبت لا أرضاً قطع ولا ظهراً أبقى) وفي قوله: (فأوغلوا فيه برفق).

وكذلك أخرج البخاري في صحيحه قال: حدثنا عبد السلام بن مطهر، قال: حدثنا عمر بن علي، عن معن بن محمد الغفاري، عن سعيد بن أبي سعيد المقبري، عن أبي هريرة أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: (إن الدين يسر ولن يشاد الدين إلا غلبه)، وفي رواية: (ولن يشاد الدينُ إلا غلبه) وفي رواية: (ولن يشاد الدين أحد إلا غلبه، فسددوا قاربوا وأبشروا، واستعينوا بالغدوة والروحة وشيء من الدلجة).

السبب الثالث من أسباب هذا الفتور: استعجال النتائج: فكثير من الناس يعلق آمالاً بحصول نتائج معينة، وهذه النتائج ليست بنات الأسباب، فالنتائج من قدر الله والأسباب من قدر الله، لكن لا يحل التوكل على الأسباب والاعتماد عليها، بل هو شرك، ولا يحل تركها، بل هو معصية، فعلى الإنسان أن يباشر الأسباب وهو يعلم أن النتائج إلى الله إن شاء أداها وإن شاء لم يؤدها، وعلى هذا فإن من تعلق قلبه بتلك النتائج كثيراً ما يمتحنه الله بتأخرها.

وفي القاعدة الفقهية المعروفة: من تعجل الشيء قبل أوانه عوقب بحرمانه، فكثيراً ما يعاقب بحرمان ذلك، ومن هنا يصاب بإحباط فيقتضي ذلك فتوراً منه.

ومن أسباب الفتور: عدم وجود المنافسة، فالنفوس مبنية على الملل، وإذا شعر الإنسان بالمنافسة ازداد تضحية، فإذا لم يشعر بالمنافسة فإنه يكسل، وقد قال الله سبحانه وتعالى: {وَفِي ذَلِكَ فَلْيَتَنَافَسِ الْمُتَنَافِسُونَ} [المطففين:٢٦]، وكانت منافسة الصحابة فيما بينهم للتضحية في سبيل الله والبذل.