للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

معاني السنة لغة واصطلاحاً

قال: فإنه أوتي مثله معه من حكمة وسنة متبعة بين أن ما أوتيه النبي صلى الله عليه وسلم يسمى سنة ويسمى حكمة، والسنة في اللغة: الطريقة خيراً كانت أو شراً.

فمن إطلاقها على طريقة الخير قول الله تعالى: {سُنَّةَ مَنْ قَدْ أَرْسَلْنَا قَبْلَكَ مِنْ رُسُلِنَا} [الإسراء:٧٧]، ومن إطلاقها على الشر قول الله تعالى: {قَدْ خَلَتْ مِنْ قَبْلِكُمْ سُنَنٌ فَسِيرُوا فِي الأَرْضِ فَانْظُرُوا كَيْفَ كَانَ عَاقِبَةُ الْمُكَذِّبِينَ} [آل عمران:١٣٧].

وتطلق كذلك على الصميم من كل شيء كقول غيلان: تريك سنة وجه غير مقرفة ملساء ليس بها خال ولا ندب وتطلق على الطريقة في الجبل.

واصطلاحاً: يختلف إطلاقها باختلاف العلم الذي هي فيه، ففي علم العقائد تطلق السنة على مقابل البدعة.

وقد تطلق على ما يقابل الشيعة بالخصوص فيكون ذلك إطلاقاً جزئياً يقال: أهل السنة والشيعة، تكون هنا غير مقابلة لكل بدعة، بل مقابلة لبدعة الشيعة فقط.

والسنة في اصطلاح أهل الحديث هي: ما أثر عن النبي صلى الله عليه وسلم من قول أو فعل أو تقرير، أو وصف خلقي أو خلقي، سواء صلح دليلاً لحكم شرعي أو لم يصلح.

وعند الأصوليين هي: ما أثر عن النبي صلى الله عليه وسلم من قول أو فعل أو تقرير مما يصلح دليلاً لحكم الشرع.

وعند الفقهاء هي: صفة المأمور به أمراً غير جازم.

وفي اصطلاح آخر لبعض الفقهاء أنها: ما فعله النبي صلى الله عليه وسلم وأظهره في ملأ وواظب عليه ودل الدليل على عدم وجوبه، وهذا عند الذين يفرقون بين السنة والندب.

والسنة تسمى حكمة، والحكمة في الأصل جعل الشيء في موضعه، وتمام العقل وإتقان كل شيء، فهي من (أحكمه)، أي: أتقنه، والسنة تسمى حكمة، ولذلك عطفت على القرآن في عدد من الآيات كقول الله تعالى: {وَاذْكُرْنَ مَا يُتْلَى فِي بُيُوتِكُنَّ مِنْ آيَاتِ اللَّهِ وَالْحِكْمَةِ} [الأحزاب:٣٤]، وكقوله تعالى: {لَقَدْ مَنَّ اللَّهُ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ إِذْ بَعَثَ فِيهِمْ رَسُولًا مِنْ أَنْفُسِهِمْ يَتْلُوا عَلَيْهِمْ آيَاتِهِ وَيُزَكِّيهِمْ وَيُعَلِّمُهُمُ الْكِتَابَ وَالْحِكْمَةَ} [آل عمران:١٦٤]، وكقوله تعالى في سورة الجمعة: {وَيُعَلِّمُهُمُ الْكِتَابَ وَالْحِكْمَةَ} [الجمعة:٢].

فالحكمة التي يعلمها والتي تتلى هي السنة، وهي بيان للقرآن، ولذلك قال: (من حكمة وسنة متبعه).

قوله: (متبعة) هذا تقييد للسنة، وهو تقييد مهم؛ لأن العمل مهم في مجال الاستنان؛ لأن الحديث إذا روي قولاً دون عمل، أي: لم يعمل به الصحابة ولم يعرف تطبيقه فإنه لا يكون العمل به سنة، وكذلك السنة الفعلية إذا لم يصحبها عمل فذلك دليل على نسخها، وأبلغ دليل في هذا الباب أن كثيراً من أحاديث النبي صلى الله عليه وسلم لم تصل إلينا ولم تنقل، والكتب التي ذهبت ولم تنقل قد استغنت عنها الأمة بما نقل، فهو كاف، والله تعالى تعهد بحفظ الدين، والدين نصفه في السنة، فما بلغنا من السنن ونقلته الأمة وعملت به فهو الدين المحفوظ، وما سواه فهو الأمور الشاذة التي هي من المتشابهات التي لا ينبغي اتباعها.

ولهذا حذر عدد من أئمة السلف من الذي يأخذ الغرائب ويتتبعها ويشذ عن جمهور الأمة ويخالفها، ولهذا فإن كثيراً من الشواذ يبحثون عن أي حديث فإذا وجدوه حتى لو لم يفهموا معناه أو كان محتملاً لعدة أوجه؛ حملوه على المعنى الشاذ الغريب وعملوا به، وأرادوا بذلك إظهار الفتنة والفوضى بين الناس، وهذا مخالف للمقصود الشرعي، ولذلك قال: (وسنة متبعة).

وقد نص عدد من الأئمة على هذا الشرط، منهم ابن عون وهو من أئمة التابعين، وسفيان بن عيينة، وكذلك الثوري وفي كلام الزهري تصريح بذلك حيث قال: آية محكمة أو سنة متبعة.