للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

[زوجات الأنبياء]

السؤال

نريد الكلام على زوجات الأنبياء وهل يختارهن الله اختياراً، وما هي خيانة زوجة نوح وزوجة لوط؟

الجواب

بالنسبة لزوجات الأنبياء: أكثرهن يختارهن الله لذلك اختياراً، كما قال تعالى: {وَالطَّيِّبَاتُ لِلطَّيِّبِينَ وَالطَّيِّبُونَ لِلطَّيِّبَاتِ أُوْلَئِكَ مُبَرَّءُونَ مِمَّا يَقُولُونَ} [النور:٢٦]؛ وبذلك فأكثر زوجات الأنبياء زوجات لهم في الدنيا وفي الآخرة، ومنهن أزواج النبي صلى الله عليه وسلم اللواتي أنزل الله فيهن القرآن وأعلى منزلتهن، وشرف درجتهن؛ فهن زوجات النبي صلى الله عليه وسلم في الدنيا، وزوجاته في الدار الآخرة، وهن أمهات كل المؤمنين به، ويجزم بأنهن جميعاً من أهل الجنة، ويلزم الإيمان بذلك.

وأما زوجة نوح وزوجة لوط فقد جعلهما الله مثلاً للكافرين، وذكر أنهما خانتاهما، ونص العلماء على أن هذه الخيانة ليست خيانة فيما يتعلق بالزنا أو نحو ذلك، وإنما هي خيانة فيما يتعلق بما اؤتمنتا عليه من الأسرار، فكانتا تنقلان أخبارهما وأسرارهما إلى أعدائهما؛ ولذلك لم ينجهما الله، فأهلك امرأة نوح مع قومه، وأهلك امرأة لوط مع قومها، أي قريباً منهم: {وَمَا هِيَ مِنَ الظَّالِمِينَ بِبَعِيدٍ} [هود:٨٣].

فليست هاتان المرأتان من أهل هذين النبيين، بل عوضهما الله خيراً منهما، فليستا زوجتين لهما في الآخرة، وإنما هما زوجتان في الدنيا، وانقطع ذلك بكفرهما، ثم زوجهما الله خيراً منهما، ولا شك أن هذا من ابتلاء هذين النبيين الذي هو إعلاء لمنزلتهما، ورفع لدرجتهما.

وكذلك ما جاء في جواب الله تعالى لنوح عليه السلام عندما قال: {رَبِّ إِنَّ ابْنِي مِنْ أَهْلِي وَإِنَّ وَعْدَكَ الْحَقُّ وَأَنْتَ أَحْكَمُ الْحَاكِمِينَ * قَالَ يَا نُوحُ إِنَّهُ لَيْسَ مِنْ أَهْلِكَ إِنَّهُ عَمَلٌ غَيْرُ صَالِحٍ} [هود:٤٥ - ٤٦]، فلا يقصد به أنه ليس من ذريته، بل المقصود أنه ليس من المؤمنين؛ لأن أهله الذين وعده الله بإنجائهم هم الذين آمنوا به؛ ولذلك قال: {وَمَا آمَنَ مَعَهُ إِلَّا قَلِيلٌ} [هود:٤٠]، فأهله هم المؤمنون به، وهذا الولد كان يظنه من المؤمنين به، ولكن الله أخبره أنه ليس كذلك فقد كان منافقاً؛ ولهذا حين أمره أن يركب في السفينة امتنع عن ذلك، وقال: {سَآوِي إِلَى جَبَلٍ يَعْصِمُنِي مِنَ الْمَاءِ} [هود:٤٣].

وأما قوله: {إِنَّهُ عَمَلٌ غَيْرُ صَالِحٍ} [هود:٤٦]، فمعناه أن عمله غير صالح، هذا أرجح شيء في التفسير؛ ولذلك فالقراءة الأخرى: (إنه عَمِلَ غَيْرَ صالح فلا تسألن ما ليس لك به علم).

وقالت طائفة من أهل العلم: معنى (إنه عمل غير صالح) أنه كسب غير صالح، فكأنه هو لم يصلح، فالولد عمل من الأعمال من كسب أبيه؛ لكن هذا الولد غير صالح، حيث لم يكن من أهل الجنة.

انظر عتاب الله لنوح عليه السلام لدعائه هذا؛ لأنه بين أن العتاب على مسألته، وأنه ظن أن الله أخلف الوعد، فأراد أن يذكره بالوعد، وأن ينجي هذا الولد لأنه من أهله؛ ولذلك اعتذر نوح من هذا فقال: {رَبِّ إِنِّي أَعُوذُ بِكَ أَنْ أَسْأَلَكَ مَا لَيْسَ لِي بِهِ عِلْمٌ وَإِلَّا تَغْفِرْ لِي وَتَرْحَمْنِي أَكُنْ مِنَ الْخَاسِرِينَ} [هود:٤٧]، فتاب الله عليه، فتوبته كانت من دعائه؛ لأنه دعا ما لم يأذن له به؛ ولذلك يعتذر بها يوم القيامة عندما تطلب منه الشفاعة كما سنذكر في حديث الشفاعة.