للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

[النوافل أوقاتها وعدد ركعاتها]

السؤال

أريد تفصيلاً حول النوافل الراتبة وما يقرأ في كل منها، والقول الأرجح في عددها وعدد ركعاتها؟

الجواب

الرواتب هي سي الفرائضِ.

والسيّ هو ما يظهر في الضرع قبل أن ينزل فيه اللبن، فالذي ينزل على فم الفصيل عندما يرضع قبل أن تدر أمه هو الذي يسمى بالسي.

ويسمى بالسيء أيضاً، وقد جاء في حديث ضعيف سيوا صلاتكم أو سيئوا صلاتكم فإن كثرة السي تدل على قوة الحشك، أي: تمام الدرار.

فإذا كانت الفريضة محوطة بسياج من النوافل قبلها وبعدها إذا كان ما بعدها وقت إباحة، أو كان ما قبلها وقت إباحة فإن ذلك مما يكمل الفريضة ويقتضي من الإنسان إقبالاً عليها، لأن الإنسان يتطهر بالصلاة، ولذا جعلها النبي صلى الله عليه وسلم بمثابة (النهر الجاري على باب أحدكم ينغمس فيه في اليوم والليلة خمس مرات، فهل ترون يبقى من درنه شيء) فكذلك النافلة يتطهر بها الإنسان للفريضة.

ولذلك فالنوافل الراتبة هي: ركعتان قبل صلاة الفجر خفيفتان، ولم يرد تعيين شيء في السور التي يقرأ بها في هاتين الركعتين، لكن ورد الحض عليهما في قول النبي صلى الله عليه وسلم (ركعتا الفجر؛ خير من الدنيا وما فيها).

وأخرج أبو داود في السنن بإسناد ضعيف، أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: (صلوهما ولو طردتكم الخيل) وبالغ في الأمر بهما والحض عليهما ولذلك سميا بالرغيبة، أي رغب فيهما الشارع ترغيباً شديداً، فأما بعد الفجر فلا نافلة؛ لأن النبي صلى الله عليه وسلم نهى عن الصلاة بعد الفجر حتى تطلع الشمس، وبعد العصر حتى تغرب.

ثم بعد هذا من الرواتب: أربع قبل الظهر، واثنتان بعدها أو أربع، وكل ذلك وارد، وراتبه الظهر سواء كانت قبلية أو بعديه تسن في المسجد كما كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يصليها، أما ركعتا الفجر فكان يصليهما في بيته، ولم يكن يصليهما في المسجد، وكذلك قبل العصر ورد ركعتان كما في حديث ابن عمر في الصحيحين وفي حديث ميمونة كذلك، وقد واظب رسول الله صلى الله عليه وسلم عليهما في المسجد.

وورد أربع ركعات في حديث أخرجه الترمذي في السنن أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: (رحم الله امرأ صلى قبل العصر أربعاً) وهذا الحديث فيه لين، لكن مع ذلك عمل به كثير من أهل العلم وحتى الترمذي وغيره، ثم بعد هذا لا راتبة بعد العصر، لأن الوقت وقت نهي كما بينا.

أما المغرب فقد صح عن رسول الله صلى الله عليه وسلم أنه قال: (صلوا قبل المغرب ركعتين، صلوا قبل المغرب ركعتين، صلوا قبل المغرب ركعتين ثم قال في الثالثة: لمن شاء)، فاختلف العلماء في حكم هاتين الركعتين، فذهب الشافعي إلى ندبهما؛ لأن النبي صلى الله عليه وسلم أمر هذا الأمر، والأمر ليس للوجوب بل هو مقتضٍ للندب، وذهب مالك رحمه الله إلى الكراهة فيهما، لأنه قال: إن قول النبي صلى الله عليه وسلم: (صلوا قبل المغرب ركعتين) في البداية ليس للوجوب لأنه قال: (خمس صلوات فرضهن الله على العباد في اليوم والليلة)، ولأن الله قال له ليلة المعراج: (هن خمس وهن خمسون ما يبدل القول لدي).

وعلى هذا فلن تزيد الفرائض على الخمس، فلما قال: (صلوا قبل المغرب ركعتين) كان للندب فقط، ثم قال بعده: (لمن شاء) فنزل عن الندب، وإذا نزلت الصلاة عن الندب، فإنها لا تصل إلى الإباحة المستوية الطرفين؛ لأن العبادة لا تكون مباحه، فلن يبقى إلا أن تصل إلى الكراهة فقط، ومع ذلك فقد صلاهما مالك رحمه الله ذات يوم، فقد كان واقفاً في المسجد فجاء طفل صغير فقال: يا أبا عبد الله! ألا تركع، فأحرم مالك وركع، فلما سلم اجتمع الناس عليه وقالوا: يا أبا عبد الله! لقد ركعت هاتين الركعتين، وما رأيناك ولا أحداً من ولدك يركعهما، فقال: خشيت أن أكون من الذين إذا قيل لهم اركعوا لا يركعون.

لقد أمره هذا الصبي الصغير أن يركعهما.

كذلك فإن أحمد بن حنبل رحمه الله كره المواظبة عليهما، وقد صلاهما مرة حين روى الحديث.

ثم بعد المغرب ركعتان وهما من آكد الرواتب، وكان رسول الله صلى الله عليه وسلم يصليهما في بيته كما في حديث ابن عمر، وقد ذهب الشافعية إلى كراهة صلاتهما في المسجد، بل ذهب بعضهم إلى أن صلاتهما في المسجد معصية، لمواظبة النبي صلى الله عليه وسلم على صلاتهما في بيته.

وكذلك ركعتان خفيفتان بعد العشاء إذا رجع الإنسان إلى بيته بعد صلاة العشاء، فقد كان النبي صلى الله عليه وسلم يركع ركعتين خفيفتين، وربما أخرهما فافتتح بهما صلاة الليل، فقد كان يفتتح صلاة الليل بركعتين خفيفتين قبل أن يصلي أربعاً طوالاً، لذلك جاء في حديث عائشة في وصف قيام النبي صلى الله عليه وسلم قالت: (كان يصلي ركعتين خفيفتين، ثم يصلي أربعاً فلا تسأل عن حسنهن وطولهن، ثم يصلي أربعاً فلا تسأل عن حسنهن وطولهن، ثم يركع)، وفي حديث ابن عمر: (صلاة الليل مثنى مثنى)، وفي رواية الموطأ: (صلاة الليل والنهار مثنى مثنى)، فهذا الأصل في النوافل، لكن مع ذلك فإن النبي صلى الله عليه وسلم قد جمع تسعاً بسلام واحد، وجمع سبعاً بسلام واحد، وجمع خمساً بسلام واحد، وجمع ثلاثاً بسلام واحد، وهذا وتر النبي صلى الله عليه وسلم، أوتر بواحدة، وأوتر بثلاث، وأوتر بخمس، وأوتر بسبع، وأوتر بتسع، وكذلك جمع بين أربع بسلام واحد، وكل هذا على الجواز.

فهذه هي الرواتب، ويضاف إليها غيرها من النوافل، وهي مثلاً: قيام الليل، وهو ما تيسر مطلقاً، وليس محدداً بعدد، فقد كان النبي صلى الله عليه وسلم يصلي ثلاث عشرة ركعة من الليل أو إحدى عشرة ركعة، وكذلك صلاة الضحى التي حض عليها النبي صلى الله عليه وسلم حضاً بالغاً، وأكثرها ثمان، وأقلها أربع أو اثنتان، وهما ركعتا الشروق، واثنتان وقت ارتفاع الشمس، وهي صلاة الأوابين حين ترمض الفصال فيكون الجميع أربعاً، وأوسطها ست، فهذه هي أهم النوافل.

أما قضاء النافلة في غير وقتها فقد جاء فيه أن رجلاً من الأنصار صلى بعد صلاة الفجر فرآه رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال له: (يافلان: ماذا تصلي؟ فقال: ركعتا الفجر شغلت عنهما بالصلاة فسكت)، وهذا معارض لحديث ابن عباس في الصحيحين أنه قال: (شهد عندي رجال مرضيون وأرضاهم عندي عمر بن الخطاب: أن رسول الله صلى الله عليه وسلم نهى عن الصلاة بعد الفجر حتى تطلع الشمس، وبعد العصر حتى تغرب) ولذلك فإن المالكية والحنفية تركوا حديث ابن عباس على إطلاقه حين عملوا بالترجيح قبل الجمع، وذهب الشافعي وأحمد إلى الجمع قبل الترجيح، فرأيا إخراج ذوات الأسباب من حديث ابن عباس قياساً على ركعتي الفجر، والاحتياط أن يؤخر الإنسان الصلاة حتى ترتفع الشمس؛ لأن في الباب أحاديث أخرى كحديث عمرو بن عبسة رضي الله عنه، وحديث ابن عمر في الساعات التي نهانا رسول الله صلى الله عليه وسلم أن نصلي فيها، أو أن نقبر فيها أمواتنا.

أما إذا جاء الإنسان بعد أن صلى الرغيبة فدخل المسجد فقد جاء في حديث أخرجه الدارقطني في السنن، أن رسول صلى الله عليه وسلم قال: (لا صلاة بعد الفجر إلا ركعتيه -وفي رواية- إلا ركعتين) لكن الحديث فيه ضعف، ومع ذلك فقد عمل به بعض العلماء، فرأوا كراهة الصلاة بعد صلاة الرغيبة، لكن إذا جاء الإنسان قبل الصلاة ووجد الناس ينتظرون الصلاة، فلابد أن يحيي المسجد لحديث أبي هريرة: (إذا دخل أحدكم المسجد فلا يجلس حتى يصلي ركعتين).