للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

[من وسائل مكافحة الجرائم إقامة حدود الله]

حدود الله تعالى هي علاج لهذا الإجرام وردع عنها بالكلية، وهي جوابر لما فرط فيه الإنسان في جنب الله، وزواجر كذلك عن اقتراف مثله.

هذه الحدود تمنع الجرائم وتردعها، فمن قتل -مثلاً- جزاؤه أن يقتل، فإذا قتل واحد بسبب قتله كان ذلك رادعاً لألف أو أكثر؛ ولهذا قال الله تعالى: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا كُتِبَ عَلَيْكُمُ الْقِصَاصُ فِي الْقَتْلَى} [البقرة:١٧٨] إلى أن قال: {وَلَكُمْ فِي الْقِصَاصِ حَيَاةٌ} [البقرة:١٧٩] فهي حياة للطرفين: حياة للذي يريد القتل؛ لأنه إذا تذكر أنه سيقتل لن يقدم على القتل، وحياة كذلك للمقتول الذي كان سيقتل؛ لأن قاتله إذا علم أنه سيقتل به لم يقتله، ففيه حياة للطرفين معاً.

وكذلك حد الردة، فمن ارتد عن دين الإسلام جزاؤه أن يضرب عنقه بالسيف، كما قال صلى الله عليه وسلم: (من بدل دينه فاقتلوه) فإذا كان الإنسان لا يشهد هذه العقوبة ولا يراها واقعياً، فكل من زين له شيطانه أن يرتد عن الدين وجد ذلك أمراً سهلاً سائغاً بين الناس، لكن إذا رأى أن من بدل دينه يقتل عياناً جهاراً بين الناس، فهذا رادع ومقتضٍ من الناس ألا يبدلوا دينهم.

وكذلك الزاني المحصن إذا أقيم عليه حد الرجم فرجم بالحجارة حتى يموت بين الناس، وشهد عذابه طائفة من المؤمنين، فإن هذا رادع لكل من سولت له نفسه هذه الفعلة، وكذلك الزاني البكر إذا جلد عياناً أمام الناس مائة جلدة وغرب وسجن سنة كاملة، فإن هذا رادع لأمثاله مانع من العودة لمثلها أبداً.

وكذلك السارق إذا سرق فقطعت يمينه، وحسمت بالزيت المغلي بالنار أمام الناس وعلقت في رقبته، وطيف به بين الناس، فإن هذا مدعاة للابتعاد عن هذه الجريمة بالكلية وللحفاظ على أموال الناس.

وكذلك الذي يرمي المحصنات الغافلات المؤمنات إذا أتي به أمام الناس فجلد ثمانين جلدة، فإن ذلك مدعاة لئلا تشيع هذه الفاحشة بين المؤمنين.

ومثل ذلك اللوطي الذي يقوم بهذه الجريمة، فإن قتله أمام الناس أيضاً رادع لكل من تسوَّل له نفسه مثل هذه الجريمة، ولذلك لم تعرف جريمة اللواط في المجتمع الإسلامي في حياة النبي صلى الله عليه وسلم، ولا في حياة أبي بكر، ولا في حياة عمر، وإنما عرفت في أواخر حياة عثمان في الأصقاع النائية من الأمصار، حيث دخل في الإسلام أقوام كانوا يتعودون على بعض هذه العادات، فلما ظهر ذلك جمع عثمان الناس فسألهم عن حد اللوطي: هل هو حد الزنا أو غير ذلك؟ وكان من الذين أشاروا عليه ابن عباس فقال: (لم يقترف هذه الجريمة إلا قرية واحدة، فرفعها الله، ثم ردها على الأرض فأهلكها، فأرى أن من ثبت عليه هذا يرفع على أرفع مبنىً في المكان ويرمى منه على الأرض)، فأمر عثمان رضي الله عنه بأن ينفذ ذلك في الرجل الذي ثبت عليه هذا، فرفع على أعلى مبنىً في القرية ثم رمي على الأرض ومات.

فهذا النوع من العقوبات الرادعة هو خير من أن يودع هؤلاء المجرمون في السجون؛ للتعود على الجريمة والازدياد من الخبرة فيها، ولينفق عليهم من النفقات الطائلة، ويقام عليهم الحراس الذين يأخذون الرواتب الباهظة، دون أن يرتدعوا ودون أن يتعلموا ويتعلم من سواهم ضرر جريمتهم.