للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

[واجب أئمة المساجد تجاه الضغوطات الموجهة عليهم]

يعجب الإنسان إذا سمع أن أئمة المساجد جميعاً يؤمرون بأن يقولوا الباطل وأن يسكتوا عن الحق! يعجب أن يسمع مثل هذا النوع من التوجيه الذي هو صريح في مخالفة أمر الله سبحانه وتعالى! وهو يعلم أن المساجد ليس عليها سلطان للبشر، وأن الله تعالى نسبها لنفسه وقال: {وَأَنَّ الْمَسَاجِدَ لِلَّهِ} [الجن:١٨]، فحررها الله سبحانه وتعالى من سلطة العباد، وجعلها خالصة لله سبحانه وتعالى، فليس فيها سلطان إلا للقرآن، ما أمر الله به فيها لابد من أن ينفذ، وما نهى عنه لابد أن يجتنب، وهي بيوت الله من أرضه، ولابد من احترامها على أن تتخذ للدعايات المغرضة، والأباطيل والأراجيف الكاذبة، لابد أن تطهر من هذا النوع، وقد قال الله تعالى: {وَمَنْ أَظْلَمُ مِمَّنِ افْتَرَى عَلَى اللَّهِ كَذِبًا} [الأنعام:٢١]، أي: لا أحد أظلم ممن افترى على الله كذباً، وبين الله سبحانه وتعالى أن الافتراء سبب لأخذ الله السريع، فقد قال في نذارة موسى عليه السلام: {وَيْلَكُمْ لا تَفْتَرُوا عَلَى اللَّهِ كَذِبًا فَيُسْحِتَكُمْ بِعَذَابٍ وَقَدْ خَابَ مَنِ افْتَرَى} [طه:٦١]، وقد قال الله تعالى في تعطيل المساجد: {وَمَنْ أَظْلَمُ مِمَّنْ مَنَعَ مَسَاجِدَ اللَّهِ أَنْ يُذْكَرَ فِيهَا اسْمُهُ وَسَعَى فِي خَرَابِهَا أُوْلَئِكَ مَا كَانَ لَهُمْ أَنْ يَدْخُلُوهَا إِلَّا خَائِفِينَ لَهُمْ فِي الدُّنْيَا خِزْيٌ وَلَهُمْ فِي الآخِرَةِ عَذَابٌ عَظِيمٌ} [البقرة:١١٤].

تعهد الله لهم بأمرين: الأمر الأول: الخزي في الدنيا.

والأمر الثاني: العذاب في الآخرة، نسأل الله السلامة من خزي الدنيا وعذاب الآخرة.

إن هذا الضغط لا يمكن أن يستجيب له عاقل ولا مؤمن؛ لأنه يعلم أن الله تعالى يأمر بخلاف ما يأمر به هؤلاء العباد الفقراء الضعفاء، الذين لا يملكون لأنفسهم ولا لغيرهم حياة ولا موتاً ولا نشوراً، وأن ما يأمرون به مخالف لرضوان الله سبحانه وتعالى، والله ينظر إليهم عند أمرهم، ويستمع إلى ما يقولون ويبيتون وهو معهم أينما كانوا، ولا يستطيعون كتمان شيء من ذلك، وسيأتون فيعيدون الكلام بحضرة الملأ بين يدي الملك الديان، وبحضرة الأنبياء والملائكة جميعاً، وتشهد عليهم جوارحهم به، عندما يختم على ألسنتهم، فتتكلم جوارحهم وتشهد عليهم بما فعلوا من الزور والبهتان، والظلم العظيم.

إن هذا النوع من الأوامر لابد أن يستنكر، فهو من المنكرات الكبيرة العظيمة التي يجب إنكارها وتغييرها، ومن لم يستطع تغييرها بيده وجب عليه إنكارها بلسانه، فقد أخرج مسلم في الصحيح، من حديث أبي سعيد الخدري رضي الله عنه، أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: (من رأى منكم منكراً فليغيره بيده، فإن لم يستطع فبلسانه، فإن لم يستطع فبقلبه، وذلك أضعف الإيمان).