للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

[لا ينبغي للعاقل أن يصرف دينه ومروءته من أجل أن يحصل على المنصب]

إن علينا يا عباد الله! أن نعلم أن الحرص على المناصب أو الوظائف لا ينبغي أن يصل بالعاقل إلى هذا المستوى من الدناءة ونقص المروءة، إن لم يكن للإنسان دين يمنعه من مثل هذا، فعلى الأقل تمنعه منه مروءته في أوقات الحاجة إليه، وهو يعلم أن الناس تنتظر منه قول الحق، وتنتظر منه نصرة دين الله عز وجل، وتنتظر منه بما أنعم الله عليه أن يقول ما قال موسى: {قَالَ رَبِّ بِمَا أَنْعَمْتَ عَلَيَّ فَلَنْ أَكُونَ ظَهِيرًا لِلْمُجْرِمِينَ} [القصص:١٧]، إن ظهير المجرم لابد أن يسلط عليه المجرم يوماً من الأيام، وقد جاء ذلك في الصحيح، فقد ثبت عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال: (من أعان ظالماً سلط عليه)، فلابد أن يسلط عليه ذلك الظالم الذي أعانه وتزلف إليه بما يعلم هو في قرارة نفسه أنه باطل وكذب مفترى، فلابد أن يسلط عليه ذلك الظالم إن لم يتب، والله سبحانه وتعالى قد فتح باب التوبة أمام الجميع، وأذن للجميع إذا أخطئوا واستجرهم الشيطان إلى الباطل أن يعودوا إلى الحق.

وقد كتب عمر بن الخطاب رضي الله عنه إلى أبي موسى الأشعري: (ولا يمنعنك قضاء قضيت فيه بالأمس فراجعت فيه نفسك فهديت فيه إلى رشدك أن ترجع إلى الحق، فإن الحق قديم لا ينقضه شيء، وإن الرجوع إلى الحق خير من التمادي في الباطل) والتمادي في الباطل لا يكون إلا من شأن الذين تبرأ الله منهم، فأولئك هم الذين يقعون في الباطل ثم يستمرون عليه ويستمرئونه.

أما أهل الحق فإن الشيطان يستزلهم للوقوع في المنكر ثم يتوبون ويرجعون إلى الله، كما قال الله تعالى: {إِنَّ الَّذِينَ اتَّقَوْا إِذَا مَسَّهُمْ طَائِفٌ مِنَ الشَّيْطَانِ تَذَكَّرُوا فَإِذَا هُمْ مُبْصِرُونَ * وَإِخْوَانُهُمْ يَمُدُّونَهُمْ فِي الغَيِّ ثُمَّ لا يُقْصِرُونَ} [الأعراف:٢٠١ - ٢٠٢].

وبالأخص إذا كان الإنسان في شعب مسلم مسالم شأنه شأن شعبنا هذا المسلم، فإنه يعلم أن أهل الحق حتى من بيته وأسرته سيلومونه على مخالفة الحق، ومن لم يلمه على ذلك كان شريكاً له كما قال الشاعر: لو لم تكن غطفان لا ذنوب لها إذاً للام ذوو أحسابها عمر ففي ذلك لابد أن يستحي الإنسان على الأقل على مروءته إن لم يستح على دينه، من مثل هذا النوع من الأباطيل التي هي من منكرات آخر الزمان التي لابد من إنكارها.