للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

[علم عائشة بنت أبي بكر ودورها في الإسلام]

ومن هذه النماذج الصالحة عائشة بنت أبي بكر الصديق، الصديقة بنت الصديق التي جاء جبريل يحملها في سرقة من الجنة إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم وهي صغيرة، فقال هذه زوجك، فقال الرسول صلى الله عليه وسلم: إن يكن ذلك من عند الله يمضه! وذلك في نوم رسول الله صلى الله عليه وسلم فكانت زوجه في الدنيا والآخرة، زوجه في الدنيا وزوجه في الجنة، كما قال عمار بن ياسر رضي الله عنهما.

خرجت مهاجرةً مع أمها وهي بنت صغيرة في السابعة من عمرها، وقد عقد عليها رسول الله صلى الله عليه وسلم وهي في السادسة من عمرها بمكة، فجاءت إلى المدينة ومرضت مرضاً شديداً، ولكنها كانت من صباها نابهةً بالغة الذكاء، فتخصصت في العلم وحفظه على الناس، حتى أنها كانت تسمع الخطبة الطويلة فتحفظها بالمرة الواحدة، وكانت تسمع القصيدة الطويلة فتحفظها من مرة واحدة، وقد حفظت من شعر لبيد بن ربيعة عشرين ألفاً، وحفظت اثني عشر ألفاً من شعر شاعرٍ آخر.

وكانت تسمع كلام أبي بكر وهي صغيرة فتحفظه كما هو، ولهذا اتجهت إلى الاتجاه العلمي والدعوي لتقوم بالحق الواجب لله تعالى، ولتصون هذا الدين عن الضياع، فحفظت على المسلمين ما يختص بأمور بيت رسول الله صلى الله عليه وسلم من العلم، وزادت على ذلك بشخصيتها الفذة، فكانت ناقدةً ترد على الصحابة كثيراً من الفتاوي التي تخالف ما لديها من محفوظات عن رسول الله صلى الله عليه وسلم، ولهذا جمع البدر الزركشي ما خالفت فيه عائشة الصحابة رضوان الله عليهم في كتابٍ سماه: الإجابة في ردود عائشة على الصحابة.

وكذلك فإنها رضي الله عنها، كانت لا تسمع شيئاً لم تفهمه إلا سألت عنه وراجعت فيه حتى تفهمه، كما ثبت ذلك عنها في صحيح البخاري، ولهذا ناقشت رسول الله صلى الله عليه وسلم حين سمعته يقول: (إن من نوقش الحساب فقد عذب)، وسمعت قول الله تعالى: {فَسَوْفَ يُحَاسَبُ حِسَاباً يَسِيراً * وَيَنقَلِبُ إِلَى أَهْلِهِ مَسْرُورًا} [الانشقاق:٨ - ٩].

فراجعت رسول الله صلى الله عليه وسلم في ذلك فأجابها بقوله: إنه العرض، أي: فالحساب اليسير هو مجرد العرض على الله عز وجل.

وكذلك فإنها فهمت من أمر الله عز وجل لنساء رسول الله صلى الله عليه وسلم أن يذكرن ما يتلى في بيوتهن من آيات الله والحكمة، أنه يجب عليها أن تؤدي ما حفظته وبلغها من وحي الله عز وجل إلى رسوله صلى الله عليه وسلم، فبذلت الجهد في ذلك، وكانت ثاني شخص في الإسلام في حفظ حديث رسول الله صلى الله عليه وسلم.

وكانت تحدث الناس من وراء حجاب وتعلمهم في مكان يجتمع عليه الرجال فتفتيهم، ويستفتونها في كل الأمور، وكانت إذا أرادت أن يدخل إليها أحد منهم، أمرت إحدى بنات إخوتها أو بنات أختيها أن ترضعه حتى يدخل عليها، وهذا رأي لها واجتهاد منها رضي الله عنها.