للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

[نصيحة لمن يتأخرون عن الزواج لعوائق مادية أو اجتماعية]

السؤال

بم تنصحون الشباب الذين يرغبون في الزواج، ويخافون على أنفسهم من الفتنة، وعندهم عوائق منها قلة المئونة، ولا عمل ولا دخل، ووجود الوالدين وخصوصا ًإذا كانا عاجزين، والعائق الآخر هو حب طلب العلم الشرعي، والكلفة المادية، وكذلك العادات؛ مثل أن أصغر الأسرة لا يمكنه الزواج، فهل هناك من حلول؟

الجواب

إن رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: (يا معشر الشباب من استطاع منكم الباءة فليتزوج، فإنه أغض للبصر، وأحصن للفرج ومن لم يستطع فعليه بالصوم).

فلذلك يجب على من خاف العنت على نفسه أن يسعى لأن يتزوج، والزواج لا يمنع منه الفقر، بل هو وسيلة من وسائل الغنى، فإن الله تعالى يقول: {وَأَنكِحُوا الأَيَامَى مِنْكُمْ وَالصَّالِحِينَ مِنْ عِبَادِكُمْ وَإِمَائِكُمْ إِنْ يَكُونُوا فُقَرَاءَ يُغْنِهِمُ اللَّهُ مِنْ فَضْلِهِ وَاللَّهُ وَاسِعٌ عَلِيمٌ * وَلْيَسْتَعْفِفِ الَّذِينَ لا يَجِدُونَ نِكَاحًا حَتَّى يُغْنِيَهُمُ اللَّهُ مِنْ فَضْلِهِ} [النور:٣٢ - ٣٣].

والنكاح يتجلى فيه مظهر من المظاهر السابقة في الفرق بين نظرة الغرب إلى النساء، ونظرة الإسلام إليهن، فالنظرة الغربية مادية تنظر إلى المرأة على أنها سلعة تباع بأبلغ الأثمان وأكثرها، ولذلك يبقى كثير من النساء في بيوت أهلهن دون زواج؛ لأن الوالد يعتبرها بضاعة لديه، ويريد أن يبيعها بثمن كبير، فيضن بها حتى يأخذ مقابلها مالاً، وهذا كله مخالف لشرع الله عز وجل، فإن الصداق ملك المرأة ولا ينبغي أن يبالغ فيه، فإن أكثر النساء بركة أقلهن مهراً، ونساء الرسول صلى الله عليه وسلم اللواتي تزوجهن كن أقل النساء مهراً، وكذلك بناته صلى الله عليه وسلم، وقد زوج رسول الله صلى الله عليه وسلم امرأة مؤمنة لرجل مؤمن على سور من القرآن يعلمهن إياها، ولهذا فإنه لا ينبغي أن يكون من العوائق نقص المال.

كذلك عدم وجود العمل لا ينبغي أن يكون عائقاً عن الزواج، فينبغي إذا حصلت أسرة إسلامية بين شاب وشابة، أو بين رجل وامرأة مسلمين فقيرين أن يسعيا بجهدهما المشترك، حتى يحصل على نفقةٍ وحتى يحصلا على بداية أمر، والرزق لا يكون عن الكسب، وإنما هو هبة من الله تعالى، ولكن الأسباب واجبة، فينبغي أن نعرف هنا أن التوكل على الأسباب شرك وأن تركها معصية، وعلينا أن نجمل في الطلب، وأن لا نبالغ فيه أكثر من المطلوب شرعاً.

وكذلك ما يتعلق بالعادات كالصغر وغيره، وككون الفرد من أسرةٍ فيها أولاد أكبر منه لم يتزوجوا أو بنات أكبر منها لم يتزوجن، كل هذه الأمور من العادات التي ما أنزل الله بها من سلطان، وليس لها فائدة، بل هي داعية إلى انتشار الرذيلة، وانتشار عدم العفة بين الشباب والشابات، فلذلك ينبغي أن تترك وتتجاوز.

وكذلك ينبغي أن يخفف من الغلواء التي نجدها لدى نسائنا بما يتعلق بحب كثرة المهور، وحب الإسراف بالعادات، ومن ذلك منع تعدد الزوجات، فإن كثيراً من النساء تظن أن تعدد الزوجات هضم لهن، وأنه يوصل عليهن ضرراً، والواقع أن تعدد الزوجات وإن كان ليس جائزاً لبعض الناس، وليس مطلوباً أيضاً لكثير منهم، إلا أنه في بعض الأحيان قد يكون مفيداً في حق من كان غنياً يمكن أن يعف عدداً كبيراً من النساء، أو ينفق عليهن، فإذا تزوج امرأتين وكان لكل واحدة منهما عدد من القرائب الفقيرات فأنفق على الجميع، أو كانت لكل واحدةٍ منهما أم وأخوات وخالات وعمات كان ينفق على الجميع، أو تزوج أربع نسوة، وكان لكل واحدةٍ منهن أخوات وأمهات، فأنفق على الجميع؛ فإن هذا بمجرد النظرة الاقتصادية أيضاً مفيدٌ مثمر، وأيضاً فيه حصانة للفروج، وتعاون على البر والتقوى وليس فيه أي ضرر على المرأة، فلا يمكن أن تتضرر الزوجة به بأي نوع من أنواع الضرر، بل إنها قد تستفيد منه، فتجد من يساعدها ويؤازرها على مؤن البيت وحقوق الزوج.

بل تجد أنها قد زادت من راحة زوجها، وساعدته على الارتياح في البيت، ولهذا نجد أن بعض النساء قد تجاوزن هذه العقدة في كثير من البلدان، وحتى في بعض المناطق من بلادنا هذه، فأذكر أن امرأةً من النساء المسلمات قالت لزوجها ذات يوم من الأيام: إنني ذكرت فوجدت أنه ليس من المناسب أن أختار راحتي على راحتك، فأنا مكثت سنوات وأنا أقدم راحة نفسي على راحتك أنت، والآن تراجعت عن ذلك فافعل ما بدا لك، وهو عن طمأنينة بال مني ورضاً، ولن تجد له أثراً في نفسي إن شاء الله! فأعجبه هذا الموقف وشجعها عليه، وكان موقفاً جريئاً شجاعاً، له أثر طيب في نفسيات الأزواج.

وكذلك فإن بعض العادات السيئة التي تنتشر فتكون حائلاً دون الزواج، مثل اشتراط بعض الناس أن لا يزوج مولياته إلا لأقاربه، أو لسنٍ معينة أو لمستوى من الغنى معين، كل هذه العادات سيئة ومخالفة للشرع، فالمعيار الشرعي هو الذي بينه الرسول صلى الله عليه وسلم بقوله: (إذا أتاكم من ترضون دينه وخلقه فزوجوه، إلا تفعلوا تكن فتنة في الأرض وفساد كبير).

إن من أتاه مسلم يحفظ كتاب الله تعالى، ويحفظ بعض سنة رسول الله صلى الله عليه وسلم، ويلتزم بأوامر الله تعالى ويعلم أنه إن شاء الله تعالى كامل الدين والمروءة، فخطب إليه موليته التي يريد أن يقوم لها بالحقوق الشرعية، وليس فيه أي هجنة عليها في دين ولا مروءة، فرده، فقد سعى إلى إحداث فتنة عظيمةٍ بين المسلمين، وهذه الفتنة قد تكون بلاءً يصيبه في أهله، وقد شاهدنا هذا في بعض البلدان الإسلامية، فإن بعض الرجال عضلوا بناتهم عن الزواج ببعض من خطب إليهم من أهل الدين والمروءة، فابتلاهم الله تعالى -نعوذ بالله من المصائب- في بيوتهم، فزنى بناتهم وأنجبن من الزنا نعوذ بالله! أجارني الله وإياكم! وكل هذا من وراءه هذه العادات السيئة التي يحافظ عليها بعض المجتمعات وينبغي أن تزول فيها.